بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 أيار 2020 12:59م ما بين المؤامرة والتهريب.. لماذا يرفض حزب الله المسّ بالمعابر الحدوديّة؟

حجم الخط

ما بين "كورونا" و"الثورة" و"الكوارث الاقتصاديّة" التي يرزح تحتها لبنان، عاد مؤخرًا ملف المعابر غير الشرعيّة والتهريب على الحدود اللبنانيّة السوريّة إلى واجهة الأحداث على الساحة الداخليّة، بل واحتلّ سلّم أولويّات البحث والتنقيب عن حلول لآفّة مزمنة ترهق كاهل الدولة وتحرمها من عائدات طائلة، قد تكون لها بمثابة طوق نجاة من انهيار محتّم يعبث بمستقبلها.

في ظلّ هذا الواقع، وفي ضوء مطالبات عدّة بضرورة إغلاق "مزراب التهريب"، برز أمس موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي قال إن لبنان لا يمكنه وحده معالجة هذا الملف، بل إنّ الحلّ يتطلّب التعاون بين الدولتين والجيشين على طرفي الحدود، مشددًا على أنّ "الحديث عن قوات دوليّة على الحدود مع سوريا أمر لا يمكن القبول به على الإطلاق".

استيضاحًا لهذا الخطاب، رأى الخبير العسكريّ والاستراتيجيّ العميد نزار عبد القادر، في حديث إلى "اللواء"، أنّ هذا الموقف من قبل نصر الله وحزب الله ليس بجديد، بل يتردّد منذ اتّخاذ مجلس الأمن القرار 1701، حيث أنّ القرار كان فيه ما يشير إلى إمكانيّة نشر قوات اليونيفيل، ليس فقط على الحدود الجنوبيّة، ولكن أيضًا باتّجاه المعابر الأخرى في الجهة الشرقيّة، وتقريبًا على كلّ الحدود مع سوريا، وهذا ما رفضه منذ البداية حزب الله رفضًا قاطعًا، بل إنّه ذهب إلى حدّ اتّهام جميع من يريدون ذلك بأنّهم "يتآمرون على المقاومة".

الخبير العسكريّ لفت إلى أنّ حزب الله منذ البداية يريد أن تبقى الحدود الشماليّة والشرقيّة مفتوحة، لتكون له حريّة الحركة عبر الحدود ما بين لبنان وسوريا، وإلى دول عربيّة أخرى تمتد إلى الخليج عبر المسالك البريّة. كما كان منذ البداية يفكّر بطريق استراتيجيّة تصل طهران عبر بغداد ودمشق بلبنان. من هنا ما زال حزب الله وأمينه العام على هذا الموقف منذ عام 2006 وإلى اليوم.

بالتالي، أشار العميد عبد القادر إلى أنّ أيّ ضبط للحدود من خلال تسكير المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة بوجه حزب الله، سيؤدي إلى شلّ حركته باتّجاه سوريا، وهو المتدخل في الحرب هناك منذ 9 سنوات وما زال حتّى الآن، ويشغل حيّزًا أساسيًا في العمليّات العسكريّة، سواء في شرقها أو في شمالها. من هنا فإنّ موقف الحزب بشأن المعابر هو أحد ثوابت مستلزمات الاستراتيجيّة الإقليميّة التي يتّبعها في التدخل في سوريا وغيرها.

أمّا عن سبب فتح ملف "التهريب" على مصراعيه الآن، فشدّد الخبير الاستراتيجيّ على أنّ هذا الملف كان دائمًا مطروحًا في السياسة اللبنانيّة، مشيرًا إلى أنّ هذه الحدود السائبة هي بمعظمها تحت سيطرة حزب الله وليست تحت سيطرة الدولة اللبنانيّة، باستثناء بعض المناطق الحدوديّة التي يسيطر عليها في الشمال فوج الحدود الأول، وفي البقاع فوج الحدود الثاني، فيما بقيت كلّ الحدود من مزارع شبعا وصولًا إلى العبوديّة شبه مفتوحة أمام عمليّات التهريب وأمام قوافل حزب الله، خصوصًا في مناطق الهرمل وراشيا الوادي وغيرها.

العميد عبد القادر قال إنّنا نعلم أنّه الآن يجري تهريب الطحين، كما يجري تهريب المازوت وبكميّات كبيرة، وهذه المواد مدعومة من الدولة ويجري استيرادها بالدولار. في وقت يقع لبنان اليوم تحت ضائقة ماليّة واقتصاديّة وضائقة فيما يختصّ بالنقد النادر أي الدولار. ويدفع لبنان ثمن هذه المواد المقنّنة بالدولار، بينما أيّ كميّات منها تذهب إلى سوريا، تعود بأثمانها بالليرة اللبنانيّة أو بالليرة السوريّة، وهذا يزيد من الأعباء على لبنان لتدبير أمره ودفع كميّات ماليّة كبيرة بالدولار لاستيراد هاتين المادتين لسدّ حاجات لبنان وجزء من حاجات سوريا، وهذه خسائر كبيرة تقع على الاقتصاد اللبنانيّ وعلى الماليّة وعلى النقد النادر في لبنان.

لذلك، يضيف الخبير الاستراتيجيّ، أنّه لا بدّ من قطع دابر هذه القضية، لافتًا إلى أنّ تقصير القوى الأمنيّة في هذا الموضوع ناتج عن سيطرة حزب الله على هذه المعابر، حتى تلك التي تُستخدم للتهريب، مثل حوش السيد علي في الهرمل، والذي هو جزء أساسيّ من نقاط العبور التي يعبرها حزب الله باتّجاه الريف الجنوبي لحمص، حيث يتمركز الحزب بقوّة، وأيضًا هناك مناطق أخرى في السلسلة الشرقيّة، أتى ذكرها في التقارير الإعلاميّة مؤخرًا، ومن المعروف أنّها تقع تحت سيطرة حزب الله.

لذلك، يؤكّد العميد عبد القادر، أنّ القوى الأمنيّة محرجة، فهي أولًا لا تريد الاشتباك مع حزب الله، وثانيًا أكثر هؤلاء المهرّبين هم محميّون خصوصًا من قبل حزب الله وتابعون له، ومن هنا التقصير الفعليّ للأجهزة الأمنيّة في ملاحقتهم.

كما ختم الخبير الاستراتيجيّ بالقول: "أنا أعتقد جازمًا أنّ الأجهزة الأمنيّة تعرف كلًّا منهم بالإسم، وتعرف من يحميه، وأين هو منزله، وما هي واسطة التهريب التي يستعملها".