بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تموز 2018 07:23ص هل تغير "الحشيشة" وجه لبنان وتمحو آثار الحرب؟

حجم الخط

تعد بلدة بريتال، في وادي البقاع اللبناني، مكاناً يجمع بين النقيضين المتعارضين: الفقر والثراء الفاحش. تندفع الشاحنات القديمة المتهالكة على الطرق غير الممهدة، إلى جوار سيارات البنتلي والرانج روفر الفخمة، التي لا تحمل ألواحاً بالأرقام، ولها نوافذ معتمة. تنتشر البطالة في البلدة، ومع ذلك فإن بها منازل فسيحة ذات بوابات خاصة منتشرة في أرجائها.

وتسكن البلدة أيضاً بعض العائلات ذات النفوذ، التي تعمل في زراعة الحشيش على الملأ في حقول بالجوار، وتمتلك ترسانة سلاح هائلة ساعدتها في البقاء بعيداً عن طائلة القانون. وعلى مرِّ السنين، اكتسبت البلدة سمعة بأنها منطقة محرَّمة. ولكن إذا شقَّ المختصون في الاقتصاد والاستشاريون طريقهم إلى البلدة، قد يتغيَّر وجهها هي وسائر المنطقة، من خلال إنشاء صناعة حشيش قانونية بقيمة مليار دولار. ولهذا فقد ذهبت صحيفة الغارديان إلى هناك.

كم لفافة يمكن أن تمحو أثر الحرب؟

تعتزم الحكومة اللبنانية أن تدرس قريباً مقترحات برفع الحظر عن زراعة الحشيش، لتصديره لأغراض طبية. وتعد الخطة جزءاً من حزمة إصلاحات اقترحتها شركة ماكنزي العالمية للاستشارات، التي استعانت بها الحكومة لوضع خطة لخمس سنوات لإنقاذ الاقتصاد المتداعي.

وجاء قرار الحكومة بالاستعانة بمساعدة خارجية عقب تكهنات تزداد سوءاً حول الموارد المالية للبلاد. و يحتل لبنان المرتبة الثالثة فيقائمة الدول المدينة فيالعالم،إذبلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 153%. وزادت الحرب الدائرة فيالجارة سوريا الطين بلة؛إذانخفض النمو الاقتصادي من9% قبل بدء الحرب إلى حوالي 2% اليوم.

يقول وزير الاقتصاد إن مجال العمل في الحشيش يمكن أن يدر على لبنان مبلغاً يصل إلى مليار دولار أميركي.

وأوصى فريق استشاريي الشركة في تقرير قوامه 1000 صفحة، قدمه في شهر يوليو/تموز الجاري، إلى الرئيس اللبناني ميشيل عون، بتعزيز السياحة، وإنشاء مركز مصرفي، والاستثمار في زراعة الأفوكادو.

غير أن ما استرعى معظم الانتباه هو المقترح الذي قدمه الفريق بتشريع زراعة الحشيش. وازداد ثِقل الفكرة حين صدَّق وزير الاقتصاد المؤقت رائد خوري على الخطة.

وصرَّح خوري لبلومبرغ: «يتمتع الحشيش الذي نملكه بأنه واحد من أجود الأنواع في العالم»، وأضاف أن مجال العمل في الحشيش يمكن أن يدر على لبنان مبلغاً يصل إلى مليار دولار أميركي.

يخضع الجزء الأكبر من زراعة الحشيش في لبنان لسيطرة مجموعة من العائلات ذات النفوذ في البقاع. وبفضل الثروة التي راكمتها تلك العائلات على مدار السنين، فقد أصبحت قوة مستقلة بذاتها، ومسلحة بأعتى أنواع الأسلحة استعداداً لمواجهة الشرطة والجيش، في حال تعرُّض لقمة العيش للتهديد.

ربماإذنلايكونمندواعيالدهشةأننرىلديهاتعاطفاًمعتشريعرفعالحظر.

هل يصلح «المزاج» الاقتصاد؟

ويقول قاسم طليس، أحد سكان البريتال الذي يعمل ممثلاً لعائلة البقاع ذات النفوذ، التي تزرع الحشيش: «توافق هذه العائلات بالكامل على الخطة، إنها خطوة جادة في اتجاه إصلاح الاقتصاد اللبناني».

ويقول طليس، الذي لا يشارك بنفسه في زراعة الحشيش، إن المنطقة تعاني من الإهمال الحكومي منذ عقود، على نحو لم يترك أي مجال لسكانها، إلا بالعمل في تجارة المخدرات.

ويلقي باللوم على فقر المنطقة على المعركة التي تدور رحاها بين المزارعين والسلطات. وتقوم الحكومة بين الفينة والأخرى بمحاولات لتدمير محصول الحشيش، الأمر الذي يسفر في بعض الأحيان عن اشتباكات بالأسلحة النارية.

وفي قوائم الحكومة حوالي 42 ألف مذكرة اعتقال لأشخاص في منطقة بعلبك-الهرمل، معظمه بسبب جنايات ذات صلة بتجارة المخدرات. ويرأس طليس لجنة أسستها عائلة البقاع، للمطالبة بإصدار عفو عام عن المنطقة

ويقول: «هذا أحد أسباب فقر المنطقة. لا يمكن لأحد أن يحصل على عمل بسبب مذكرات الاعتقال الكثيرة الصادرة بحقنا. ويعجز أي شخص يُشتبه في ارتكابه أي جرم عن الحصول على وظيفة».

تاريخمنازدهارالحشيش،والاقتصادأيضاً

ويشهد وادي البقاع زراعة الحشيش منذ العصر العثماني على الأقل. ووصلت الصناعة إلى ذروتها إبان الفوضى التي صحبت الحرب الأهلية من عام 1975-1990؛ إذ وصل مقدار ما كان يخرج من المنطقة من الحشيش عبر موانئ غير قانونية إلى ألفي طن سنوياً.

وتسهم الحرب الدائرة في سوريا، التي اندلعت عام 2011 على الجانب الآخر من الحدود، في زيادة ما يحصل عليه زارعو الحشيش. ويقول المزارعون إن تجارتهم نمت بمعدل 50% منذ عام 2012، إذ ركزت السلطات اللبنانية انتباهها على تأمين الحدود.

والآن يجني مزارعو وتجار الحشيش من 175 إلى 200 مليون دولار سنوياً، بعد أن بدأوا التصدير إلى الخليج وأوروبا وإفريقيا وأميركا الشمالية. ويعد لبنان ثالث أكبر مصدر لراتنج الحشيش في العالم، وفقاً لما ورد عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

ومن غير الواضح ما إذا كانت ماكنزي تدعو الحكومة للعمل مع المزارعين الموجودين في البقاع، أم أنها تريد للحكومة أن تبني قطاعاً جديداً تماماً. وسبق أن أشارت مقترحات أخرى قدَّمها مسؤولون لبنانيون إلى طليس تفيد بمنح تراخيص لزارعي الحشيش الموجودين.

 
 
أسهمت الحرب السورية في زيادة أرباح تجار الحشيش في لبنان، بعد أن ركّزت السلطات على حماية الحدود

ولكن في حين يعد البقاع مهد الخبرة في هذا المجال، فإنه ومنذ وقتٍ طويل يتسم بأنه شبكة معقدة من المصالح المتضاربة، ويتسم رصيد الحكومة في هذه المنطقة بالتدني وسط الفوضى التي تهاجم المكان.

المصدر: عربي بوست