بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 كانون الأول 2023 12:05ص «أبو يوسف».. الرسالة الأخيرة

حجم الخط
أثبت الراحل الكبير محمد يوسف بيضون في مماته، وحتى اللحظات الأخيرة لوجوده على هذه الأرض، إيمانه بما كان يسعى له طوال حياته، من حرص على تماسك العروة الوثقى بين المسلمين، بعيداً عن شعبويات التعصب المذهبي، وخطابات شد العصب المغرضة، وتحشيد الأزلام والمحاسيب، على حساب وحدة المسلمين، وإذكاء النعرات الطائفية، للترويج لزعامات زائفة، والحفاظ على المصالح الأنانية والشخصية. 
ليس تفصيلاً أن يوصي البيروتي الأصيل، ورئيس الكلية العاملية، المؤسسة التربوية الشيعية الرائدة، ونائب بيروت عن المقعد الشيعي طوال ربع قرن من الزمن، بأن تتم الصلاة على جثمانه في مسجد الخاشقجي البيروتي، ذات هوية سنيّة، وأن يتم دفنه في تراب بيروت التي أحبها، وبادله أهلها الحب والتقدير والإحترام، وأن يكون رمثه في مدافن أهل الجماعة والسنّة، وكأنه يقول لأصحاب الشأن من السنّة والشيعة: عودوا إلى الجذور، إلى ما كنا عليه قبل بروز التجارة المذهبية في السياسة. 
الواقع أن المسلمين في بيروت، قبل زمن الفتنة، كانوا يصلّون في مساجد واحدة، كتفاً إلى كتف، ويدفنون موتاهم في جبانة الباشورة، دون تفريق أو تمييز بين أبناء الدين الحنيف، وما زالت قبور العائلات البيروتية الشيعية موجودة، بل ومحفوظة، جنباً إلى جنب مع قبور العائلات السنيّة، وكان الأهل من الطرفين يتبادلان التعازي في مواسم الزيارات لأقربائهم وأحبائهم في جبانة الباشورة. 
وعندما أطلت الفتنة برأسها في مطلع الثمانينات، سارعت المراجع الإسلامية في تلك المرحلة: المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، الرئيس صائب سلام، الرئيس تقي الدين الصلح، ومن الجانب الآخر الإمام محمد مهدي شمس الدين، الإمام عبد الأمير قبلان، الرئيس حسين الحسيني، والنائب محمد يوسف بيضون، إلى تطويق محاولات إشعال الحساسيات الفتنوية، وإصدار الثوابت الإسلامية الوطنية في دار الفتوى، وتنظيم مجموعات دينية ومدنية، سنيّة وشيعية، تتبادل أداء الصلاة أيام الجمعة، حيث تقوم مجموعة شيعية بتأدية الصلاة في مسجد سنّي في بيروت، والمجموعة السنيّة في أحد مساجد الضاحية. 
«أبو يوسف» كان أحد فرسان الوحدة الإسلامية في الزمن الصعب، ومن الداعين لصون الوحدة الوطنية من عبث المتحاربين في السنوات السوداء. 
لم تستطع المتغيرات السياسية أن تُغيّر إيمان وقناعة البيروتي الأصيل، الذي بعث من رمثه بالرسالة الأخيرة للتمسك بالوحدة الإسلامية، وللحفاظ على وحدة الوطن، وقلبه النابض سيدة العواصم بيروت. 
فهل من يعتبر؟