بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 نيسان 2020 07:58ص أيقونة بيروت تُطفئ أنوارها..

حجم الخط
وقائع الانهيار تتوالى، وأوجاعها تكبر يوماً بعد يوم، وأهل الحكم لاهون بلعبة السلطة ومغانمها، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، أو على الأقل في بلد ما زال يملك مقومات الوجود والصمود بمواجهة تحديات الأزمات المتدحرجة، والتي أوصلت البلاد والعباد إلى الإفلاس.

آخر وقائع هذا الانحدار المستمر، أصابت أيقونة بيروت التاريخية، السياسية والسياحية والحضارية،  فندق البريستول الذي أعلن إغلاق أبوابه، وتسريح موظفيه وعماله، طاوية معه صفحة مشرقة من تاريخ لبنان امتدت على مدى سبعين سنة، كانت بداياتها مع السنوات الأولى لدولة الاستقلال، حيث قام رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري شخصياً بافتتاحه، بحضور أركان الدولة، تأكيداً للأهمية التي توليها الدولة للاستثمارات السياحية والتنموية. وسرعان ما تحوّل أحد أفخم فنادق الشرق الأوسط، في ذلك الزمان، إلى موطن ضيافة للملوك والرؤساء وكبار الشخصيات الرسمية التي كانت تزور لبنان.

لم يكن البريستول مجرّد فندق يمتاز بمستوى الخدمات الرفيعة، ويتفرّد بمطبخ ذاع صيته شرقاً وغرباً بإدارة أحد مؤسسيه جورج الريس، بل بقي على مر الزمن معلماً براقاً من معالم العاصمة بيروت، وحملت المنطقة التي أُنشئ فيها اسمه، وقامت حوله أبنية سكنية وتجارية حملت عنوانه، وحتى شارع الحمراء كان في بداياته يُعرف بأن على مقربة من البريستول.

وضاهت شهرته السياسية مكانته السياحية الكبيرة، حيث احتضنت قاعاته مئات الاجتماعات والندوات والمؤتمرات السياسية والوطنية والقومية، كان أبرزها المؤتمر الوطني الموسّع الذي ضم العديد من القوى السياسية والأحزاب، على اختلاف ألوانها الطائفية وتنوعها العقائدي، وحمل أسم «لقاء البريستول»، الذي أسس لولادة جبهة ١٤ آذار، غداة الجريمة البشعة التي استهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

بقي البريستول صامداً طوال سنوات الحرب التي دمرت فنادق الواجهة البحرية، وكان ملاذاً لكبار الشخصيات إبان الغزو الإسرائيلي الذي وصل إلى العاصمة عام ١٩٨٢، واجتاز السنوات العجاف التي مر بها البلد خلال الاعتداءات الإسرائيلية وما تسببه من دمار في المرافق العامة، وكان يتغلب على تداعيات الأزمات السياسية والأمنية التي اجتاحت بيروت أكثر من مرة في العقدين الأخيرين، ولم يُطفئ شعلته التي كانت تُضيء ظلام العاصمة.

جاءت أيام الفراغ القاتل في زمن الكورونا لتسدّد الضربة القاضية لهذا الصرح السياحي الكبير، الذي نخرته كورونات الصراعات السياسية وصفقات النهب والفساد، وتسببت بكساد المواسم السياحية، وخسارة لبنان موقعه الخدماتي المميز، لتطوي صفحة مشرقة في تاريخ العاصمة، كانت موضع فخر واعتزاز للوطن كله.

توقف الحركة في البريستول إنذار صارخ لأهل السلطة بضرورة توفير الدعم الضروري للمؤسسات الفندقية، قبل أن يتوقف نبض الحياة في هذا القطاع الحيوي، والذي يؤمن العيش الكريم للآلاف من العائلات اللبنانية.