بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تشرين الأول 2018 12:27ص المخيمات الفلسطينية: شقاء واقعي.. لا افتراضي!

حجم الخط
أن تزور مخيماً فلسطينياً في لبنان، كأنك انتقلت من عالم الواقع إلى عالم آخر من البؤس والفقر والضياع، كنت تحسبه حتى الأمس القريب أشبه بعالم «افتراضي»، قياساً لما تسمعه عن تردّي الأوضاع المعيشية في هذه المخيمات! 
تلبيتنا لدعوة «اللقاء الشبابي اللبناني - الفلسطيني»، ورئيسه الشاب الطموح أحمد الشاويش، قضت بدخولنا إلى مخيم شاتيلا المجاور لمنطقة الطريق الجديدة في بيروت، حيث وجدنا أنفسنا في بيئة مختلفة جداً، عما هي عليه الأحوال، حتى في أكثر المناطق فقراً وعشوائية في العاصمة، وحتى في كل لبنان. 
لم تعد المخيمات وقفاً على اللاجئين الفلسطينيين، بل أصبح سكانها خليطاً من اللبنانيين، والسوريين الذين تضاعف عددهم عشرات المرات بعد اندلاع الحرب في سوريا، والقاسم المشترك بين الجميع هو إيجاد سقف، مهما كان بسيطاً ومتواضعاً، يأوي النساء والأطفال، بغض النظر عن المساحة الضيقة، والتي غالباً لا تتجاوز غرفة واحدة مع منافعها البسيطة، ثم لا يهم بعد ذلك كيف يعيش الجميع، خاصة الأطفال الذين يتخذون من الشوارع الضيّقة، والزواريب الملوثة بمياه الصرف الصحي، مرتعاً لطفولتهم لعدم وجود مدارس مجانية كافية لتأويهم. الكثافة السكانية، تجاوزت بأضعاف معدلاتها في أكثر الدول العربية ازدحاماً، حيث يعيش أكثر من ٢٥ ألف نسمة في مساحة لا تصل إلى كيلومترين مربعين، تختلط فيها أماكن السكن مع أكشاك بيع المواد الغذائية والثياب ومعدات التنظيف والأدوات الصحية، وكل ما يخطر على البال! ويحول ازدحام الشوارع الضيّقة بالمارة ودراجاتهم النارية دون مرور السيارة الواحدة بسهولة، الأمر الذي جعل من تواجد السيارة بمثابة مفاجأة غير متوقعة من سكان الحي! 
أينما نظرت حولك، تجد نفسك محاطاً بكل الأجواء والظروف التي تزرع اليأس في النفوس، وتنمّي الأسى في القلوب، وتوحي للناس المهمّشين بأن حياتهم على الأرض هي رحلة طويلة من العذاب والمعاناة، وحوّلتهم إلى ضحية سهلة لمصطادي الشباب البائس، لاستغلال ظروفهم المعيشية المدمرة، وتجنيدهم في التنظيمات الإرهابية، وإيهامهم بأن القيام بعملية انتحارية وقتل أكبر من الأبرياء، هو الطريق المباشر للتخلص من المعاناة المريرة، والوصول إلى أبواب الجنة! 
... ويحدثك أهل الخطابات والنظريات عن محاربة الإرهاب، من دون أن يتطرّقوا، ولو بكلمة واحدة، عن تجفيف «بيئات الإرهاب»، وتوفير التعليم وفرص العمل والحياة الكريمة لهؤلاء الشباب الذين يرمون بأنفسهم إلى التهلكة، هرباً من شقاء حياتهم الجهنمية على الأرض!