بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 حزيران 2019 12:05ص الدعاة بعد إنتهاء شهر الصوم: يا ليت أخلاقيات رمضان تستمر طوال العام..

حجم الخط
ها هو رمضان قد فارقنا بعد أن حلَّ ضيفا عزيزا غاليا علينا لمدة 30 يوما ولكن هل تركنا رمضان وهو راضٍ عنّا أم رحل وهو يبكي حسرة علينا وعلى أحوالنا؟!... نسأل الله أن يتقبّل منّا رمضان كما بلّغنا رمضان ووفّقنا لصيامه وقيامه وتلاوة القرآن أناء ليله وأطراف نهاره..

ولكن.. حين نقرأ قول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} ندرك تماما أن هناك من الناس من سينقلب بعد رمضان إلى ما كان عليه قبل رمضان.. وحاله كحال المرأة التي جلست طوال شهر كامل تصنع ملبسا من الصوف بالمغزل حتى ما ان قرب الغزل من الانتهاء نقضت ما صنعته...

وهذا المثل للأسف يمثّل حال بعضنا، فبمجرّد إنتهاء شهر رمضان سرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب فهو طوال الشهر في صلاة وصيام وقيام وخشوع وبكاء ودعاء وتضرّع وهو بهذا قد أحسن غزل عباداته لدرجة أن أحدنا يتمنى أن يقيضه الله على تلك الحالة التي هو فيها من كثرة ما يجد من لذّة العبادة والطاعة، ولكنه ينقض كل هذا الغزل بعد مغرب أخر يوم في رمضان..

فلماذا لا نستمر بما كنّا عليه في رمضان.. بعد رمضان...؟!

لم لا نستثمر اقبالنا في رمضان لنستمر طوال العام..؟!

اللقيس

{ بداية أكّد الشيخ غسان اللقيس، إمام مدينة جبيل، ان على المسلمين أن يداوموا على العمل الصالح بعد رمضان وأن يجعلوا من شهر الصيام صفحة جديدة للتوبة والإنابة والمداومة على الطاعة ومراقبة الله في كل وقت، فإذا كان المسلم قد نشط في العبادات واهتم بالفرائض وتقرّب إلى الله بالنوافل فعليه أن يحافظ على ذلك طوال العام، مؤكداً على ان علامة قبول الطاعة والعبادة في شهر رمضان أن يكون حال المسلم بعده أحسن من حاله قبله، ورمضان شهر يعوّد المسلم على فعل الخير ويربّيه على الطاعة.

وقال: إذا كان المسلم في رمضان قد نشط في الكثير من العبادات واهتم بأداء الفرائض وتقرّب إلى الله بالنوافل وقرأ القرآن وابتهل إلى الله تعالى بالدعاء وتصدّق على الفقراء والمساكين فعليه أن يحافظ على ذلك كلّه طوال العام ولا يعود أبداً إلى التهاون أو التقصير أو الإهمال في العبادات، وعلى كل مسلم أن يُدرك تماماً ان من علامات القبول والتوفيق أن يتبع المرء الحسنة بالحسنة. فقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاستمرار والمداومة على الطاعة سواء في رمضان أو في غير رمضان، فقال صلى الله عليه وسلم «أيها النّاس أكْلَفُوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملّوا وان أحب الأعمال إلى الله أدومه وان قلّ». والحقيقة انه من المؤسف أن نرى مظاهر التكاسل والتراجع في أداء العبادات والطاعات بعد إنتهاء شهر رمضان الكريم، فإذا كان الله تعالى قد خصّ شهر رمضان بالعديد من الفضائل وجعله متميّزاً على سائر الشهور لكن هذا لا يعني أن نخصّه فقط بالعبادة ونهمل الطاعة في بقية شهور السنة، فقد حثّ الله تعالى ورغب على الطاعات في غير رمضان، فعن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «من صام رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر».

كما أعرب عن أسفه لما نراه من عودة بعض الناس إلى مظاهر العزوف والتكاسل عن أداء العبادة بعد رمضان، مشدّداً على ضرورة أن يحرص المسلم على أن يستمر على الطاعة بعد رمضان، فعليه أن يواظب على تقديم الصدقات وصيام التطوع والتقرّب إلى الله تعالى بقراءة القرآن وقيام الليل، فيجب على المسلم أن يواصل العمل الصالح في بقية العام ولا ينتهي عند رمضان، فليس عمل المسلم مقصوراً على هذا الشهر وإنما عمل المسلم مستمر في حين يبلغ الحلم إلى أن يتوفاه الله تعالى مصداقاً لقوله عزّ وجلّ {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} موضحاً ان علامة قبول الطاعة والعبادة في شهر رمضان أن يكون حال المسلم بعده أحسن من حاله قبل رمضان لأن الحسنة تدعو إلى الحسنة والعمل الصالح يدعو إلى العمل الصالح ورمضان شهر يعوّد المسلم على فعل الخير ويربّيه على الطاعة والعبادة في يوم من الأيام، مشيراً إلى ان بحال العمل الصالح مفتوح أناء الليل وأطراف النهار في كل السنة، فقيام الليل مشروع في كل السنة والصيام مستحب في سائر السنة، وتلاوة القرآن ميسّرة في كل وقت، وكذلك من اعتاد في شهر رمضان وألفَ المساجد فإن المساجد مفتوحة في سائر السنة.

واختتم اللقيس قائلاً: المسلم لا ينبغي أن يكون موسمياً بمعنى أن يلتزم بالطاعة والعبادة في مواسم معينة ويتركها في بقية العام، فالعبادة شرعت لتكون منهج حياة للمسلم ولكي يلتزم بها طوال عمره، فالمداومة على العمل الصالح شعار المؤمنين بل ومن أحب القربات إلى الله رب العالمين وسبباً لحسن الخاتمة والفوز بالجنة، مؤكداً ان بقاء المسلم ومداومته على العمل الصالح بعد رمضان علامة قبول له عند ربه وتركه للعمل الصالح بعد رمضان وسلوكه مسالك الشيطان دليل على الذلّة والهوان والخذلان، ومن ثم ينبغي على المسلم أن يجعل رمضان صفحة جديدة للتوبة والانابة والمداومة على الطاعة ومراقبة الله في كل وقت وساعة امتداداً لما كان عليه في رمضان من أمور تقرّبه إلى الله تعالى.

البدوي

{ بدوره قال الشيخ أحمد رجب البدوي، إمام وخطيب مسجد الشهداء: الحمد لله ذي الفضل والاحسان الذي منّ على عبده بالجود والإيمان وطهّر قلوب عاشقيه من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، فالقاعدة تقول: ان المحب لمن يحب مطيع. وها نحن قد ودّعنا شهر الخير والبركات لنستقبل شهر شوال ونحن رافعين راية التذلل لله تعالى والخضوع والخنوع له سبحانه، معاهدين الله تعالى على أن نستمر في عز الطاعة وكرم الضيافة الالهية، من ذكر وصلاة وتسبيح، لا أن نعود الى سابق عهدنا كما كنا قبل رمضان من: هجر للطاعة، ترك للصلاة، سعي للحرم، شرب للخمر الى غيرها الكثير من شهوات الدنيا ومغرياتها.

 وأضاف: لذا ينبغي علينا نحن معشر المؤمنين، أن نكون بحالة تواصل دائمة مع المتصرف بهذا الكون مع الذي يقلب قلوب عباده كيف يشاء، مع الذي إذا أراد أمراً أن يقول له: (كن فيكون)، مع الذي: «يعلم دبيب النمل السوداء على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء»، مع الذي: «يحب أن تلهج له بالتضرّع والدعاء وتكثر من ذكره، مع الذي يقول للدنيا: «من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه».

وتابع: ما بالنا نحن معشر المسلمين ما أن يبتعد عنا رمضان حتى نعود لسابق عهدنا من ذنوب ومعاصٍ، وانتهاك للمحرمات، ما بالنا نستسلم للشيطان وأهله ونترك من خلق الشيطان وأهله، ما بالنا نسعى للشر بعد ان كنّا في حضن الخير، ما بالنا ننسى نعيم رمضان والبكاء والخشوع ونسعى وراء الدنيا وشهواتهاومضاعفة الذنوب بعد محوها، وتجديدها بعد إزالتها، واحيائها بعد إماتتها.

اننا أمة أحب الله فيها كثرة تسبيحه واستغفاره وذكره، أحب الله فيه اللهج بالدعاء والتضرّع إليه بين وقت وحين، أحب الله فيها التواضع والانكسار.

وأردف قائلا: ان الفرص التي وضعها الله تعالى لنا كثيرة، عديدة ووفيرة، فهنيئاً لمن اغتنمها وعرف استغلالها، والخسارة كل الخسارة لمن لم يعرف كيف يستغلها حتى تصفو نفسه وتزكو روحه وتسمو روحانيته، بالعلاقة الجميلة اللامعة، انها العلاقة مع رب البرية سبحانه، وقد ورد في الحديث الشريف: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله).

ومن تمعّن بالحديث الشريف يستشف من قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لما هناك استمرار العلاقة والخيرية بين شهر رمضان وشهر شوال، ومن سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلاة الى الصلاة والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان كفّارة لما بينهما ان اجتنبت الكبائر».

واختتم بالقول: الخيرية موجودة بعد هذا الشهر المبارك فلا ينبغي أن نهجرها بل نتتبّع آثرها ونسعى وراءها حتى نبقى تحت ظل الرعاية الربانية، فاغتنموها حتى تسموا وتعلوا ولا تضيّعوها فتخسروا وتفشلوا تذهب ريحكم. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.