بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 آذار 2020 12:03ص الدعاة مع اقتراب يوم الأم العالمي: صانعة رجال الغد وشابات المستقبل ولها كل البرّ والتقدير

حجم الخط
لقد حثّ الإسلام، هذا الدين الحنيف الصالح لكل زمان ومكان، على برّ الوالدين، في كتاب الله عزّ وجلّ، وسنّة نبيه، لما لهما من فضل وحقوق على الأبناء، قال تعالى: {ووصينا الإنسانَ بوالديه حملته أمُّه وَهْناً على وَهْنٍ وفِصالُه في عامين أنْ اشكُرْ لي ولوالديكَ}.

 فهي - أي الأم - في تعب وجهد من قبْل الولادة، ثم أثناءها ثم بعدها، وكذلك الأب يسهر لتعب الابن، ويحزن لمرضه، ويقلق ويخاف عليه أثناء غيابه، فاستحقا بذلك البرَّ بهما، فهما - أي الأبوان - ربّيا أطفالهما صغارا، واعتنيا بهما كبارا، فاستحقا بذلك الشكر والبر، جزاء ما قدّما وقاما به من حسن التربية والتنشئة، واستحقا البر جزاء موفورا، فبرُّ الوالدين واجب وفريضة على الأبناء، وفي برّهما أجر كبير وثواب عظيم، فبرّهما من أفضل الأعمال، وحقّهما هو الحق الثالث بعد حق الله تعالى وحق نبيه  صلى الله عليه وسلم.

مزوق

بداية قال رئيس دائرة الفتاوى الشيخ وسيم مزوق بأن القرآن الكريم أمرنا أن نبرّ الوالدين وخاصة الأمهات لأنهن يجهدن ويتعبن بسبب مشاق الحمل والوضع والرضاع والتربية في جوانب يتفردن بها عن الآباء، لذلك يقول الله جلّ شأنه: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إليّ المصير} «لقمان: 14»، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: (وهناً على وهن أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف... ثم قال: الثانية: لما خصّ تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة... «أن أشكر لي»: والمعنى: قلنا له أن أشكر لي ولوالديك. قيل: الشكر للّه على نعمة الإيمان، وللوالدين على نعمة التربية. وقال سفيان بن عيينة رضي الله عنه: من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما)، وفي السنّة جاءت الأحاديث عن نبينا وحبيبنا محمد  صلى الله عليه وسلم، تبيّن فضل بر الأم وتأمر بملازمتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! من أحق النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال «أمك»، قال ثم من؟ قال: «أبوك». متفق عليه.

وتابع قائلاً: فقد أعطى الإسلام هذه المكانة الرفيعة للأم لما لها من دور في بناء الأجيال، ولأنها تضحّي بنفسها من أجل ولدها، من أجل فلذة كبدها، من أجل قرّة عينها... وهنا نتوجه للأمهات أن يخلصن النيّة في تربية أبنائهن ويحتسبن الأجر عند الله تعالى، ونطلب منهن أن يعقدن النيّة ويعزمن تخريج أجيال ربانية، أجيال منهجها منهج سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، أجيال أخلاقها  القرآن الكريم، أجيال تنشأ على قصص الأنبياء والصحابة والسلف الصالح، أجيال تحفظ القرآن الكريم وتتلوه، أجيال تقوم الليل وتصوم النهار، هذا ما يريده المجتمع اليوم من الأمهات، لأننا للأسف نرى اليوم بعض الأمهات لديهن الإدمان على الهاتف الجوال من «واتسآب» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، فتقصّر برعاية أبنائها حتى يتمنى ابنها لو كان هاتفاً لتحمله، والبعض منهن يوكلن مهمة الرعاية والحنان والتربية إلى العاملة في المنزل، وقد تكون غير مسلمة، وتؤثر في عقيدة وأخلاق الأبناء، وبالتالي يتعلق الولد بالعاملة ولا يتعلق بأمه حيث لم تهتم به الأخيرة فيكبر الولد ولا توجد الرابطة الأسرية والاجتماعية بينهما فتنقطع صلة الرحم ويحصل العقوق، لأنها عقت ابنها قبل أن يعقها عندما قصّرت في تربيته ورعايته، فكما يجب على الولد أن يبرّ والديه ويطيعهما بالمعروف ويحسن إليهما وينفق عليهما ويعاملهما المعاملة الحسنة فلا يرفع صوته عليهما ولا يتضجّر منهما، كذلك يجب على الأم والأب أن يبرّا أبناءهما بحسن تأديبهم وتفقيههم في الدين وبيان الحلال والحرام، لكي لا يقعوا فيما لا يرضي الله ورسوله، فمن أسباب الفساد المنتشر اليوم بين بعض الشباب والفتيات من شرب الخمر وتعاطي المخدرات وغير ذلك تقصير الآباء والأمهات في التربية الايمانية والتوجيه الديني، فقد روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظلّه مع أنبيائه وأصفيائه) أورده السيوطي في الجامع الصغير، فأجرك أيتها الأم عظيم عند الله سبحانه، ويزداد ثوابك عند الله تعالى بقدر اهتمامك بتنشئة ذريتك تنشئة صالحة حيث تكون هذه الذرية صالحة مصلحة في مجتمعها.

واختتم قائلاً: ان مجتمعاتنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى أمهات صالحات مصلحات حتى يخرّجن جيلاً ربانياً يخشى الله تعالى، فالأمهات هن القدوة لأولادهن، فالولد يقلّد أمه بأقوالها وأفعالها وأخلاقها وتصرفاتها، لذلك على الأمهات أن يراقبن أنفسهن في كل شيء ليتصفن بالأخلاق الحميدة ويكنّ كأمهات المؤمنين، وبالختام نقول للأم بقدر صلاحك وتقواك وورعك وتركك للملهيات يكون صلاح الأجيال والمجتمع لأنك تصنعين رجال الغد وشابات المستقبل، فنحن بحاجة إلى جيل كجيل الصحابة وجيل صلاح الدين رضى الله عنهم حتى يعود النصر للأمة، وللّه الحمد يوجد اليوم أمهات صالحات مؤمنات حافظات للقرآن مربّيات مجتهدات في الدعوة إلى الله تعالى ولكنهنّ قلّة أمام ما نراه من الفساد والإفساد، فلنحسن الاهتمام بالمرأة تعليماً وثقافة ووعياً، لتكون أماً مثالية ليس لأبنائها فقط بل أماً لكل المجتمع والوطن لما تمثله من أخلاق الإسلام وتعاليمه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا بارّين بأمهاتنا وآبائنا وأن يحفظنا وإياهم، اللهم احشرنا مع سيدنا محمّد  صلى الله عليه وسلم إمام الأنبياء والمرسلين وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.

البدوي

{ أما الشيخ أحمد رجب البدوي إمام وخطيب مسجد الشهداء فقال: الأم هي النواة لبني آدم، وهي مصدر الإلهام في المجتمع، فإن صلحت هذه النواة صلح الناس اجمعون، وإن فسدت فسد الناس كلهم.

 إنّ للأم أدواراً بالغةً الأهمية في حياة أبنائها، فهي الأم، والحنان والعاطفة والجامعة والمربّية والمعلمة والمرشدة والموجّهة والساهرة والممرضة...

هي الملاذ بلا منازع، هي الدواء بلا مشاحن، هي باب الجنة بلا معاند.

هي الأم ان لازمتها كانت لك الطريق الى الله.

وأضاف: وقد قدَّس الإسلام دور الأم في الأسرة ودعا لبرّها واحترامها وطاعتها والرضوخ والتذلّل لها حبّاً ورحمةً واشتياقاً وخضوعاً وتذلّلا، وقد قال تعالى في كتابه العزيز: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (الأسراء 23 -24).

ولذلك نهيَ الأبناء عن التلفظ بأدنى ما يزعج الأم، ولو كان ذلك جزء كلمة أو حتى نظرة تَكبّر واحتقار واستهتار.

وتابع قائلاً: فللأم والأب مكانة عظيمة عند الله سبحانه ويتجلّى ذلك بقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً}(الاحقاف 15)، فقد أوصى الله سبحانه وتعالى الناس أجمعين بأمهاتهم على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم، وعلل ذلك بشقاء الأم في الحمل والإرضاع، ولذا نراه يخصّ الأم عن الأب في هذه الآية الكريمة بقوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} أي إنّ حمله وولادته كانت عليها بمشقة وألم وتعب.

وكذلك مكانتها عالية عند اشرف خلق الله سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم  ويتجلّى فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عند سؤال أحد الصحابة لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  عن فضل الأم فقال: (جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ  صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسولَ اللهِ، من أحقُّ الناسِ بحُسنِ صَحابتي؟ قال: أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك)، رواه البخاري وإنما فضل الله الأم على الأب في هذا الحديث لما تجد من ألمٍ في مرحلة الحمل وعند الولادة وبعدها، فجعل البر أربعة أقسام ثلاثة أرباعه للأم، وربعه الأخير للأب رفعةً لشأنها لما وجدت من ألم العناية بأولادها، وتقديراً لفضلها عليهم وامتيازها على الآباء بتلك الخصال.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (الاسراء 24)، ادع الله لوالديك بالرحمة والمغفرة، وقل رب ارحمهما وتعطّف عليهما كما تعطّفا عليك عندما كنت طفلاً، فرحماك وربّياك وتعبا في ذلك حتى استغنيت عنهما لما كبرت، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم بررة بوالدينا أحياء وأمواتا.