بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيار 2019 06:05ص الصوم في الإسلام وفي الأديان السماوية

حجم الخط
يشهد المسلمون والمسيحيون في هذه الأيام ما يشبه بعمليات التسلّم والتسليم بين صوم مضى وصوم يأتي. فالصوم وإن كان فريضة إسلامية إلا أنه يستمدّ تشريعه من الديانات السماوية التي سبقته. 

فاليهود يصومون سبعة أيام متفرقة من بينها صيام يوم الكفارة: وهو اليوم الوحيد الذي أمرت الشريعة اليهودية بالصوم فيه وهو اليوم العاشر من الشهر السابع حسب التقويم العبري وكيفيته أن يصوم كل فرد منهم من مغيب الشمس الى مغيب الشمس في اليوم التالي ويمتنع خلالها من الأكل والشرب والعلاقات الزوجية ويمتنع عن استخدام العطر ولبس الجلد والإستحمام وأما باقي أيام الصوم فلا تبتدأ إلا من شروق الشمس، والغاية من الصيام ليست من أجل الشعور بالجوع والعطش وإنما لطلب المغفرة. وأما المسيحيون فيصومون أربعون يوماً متتالية وكيفيته تتنوّع وفق المذاهب والطوائف، وفي الإجمال يمتنع فيه المسيحيون عن بعض المأكولات والمشروبات الى فترات معينة في الليل وفي النهار. ومن مستحبات الصوم لديهم عدم إظهار الشقاء والتعب، فيقول السيد المسيح: «وإِذا صُمتُم فلا تُعبِّسوا كالمُرائين فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ، أَمَّا أَنتَ، فإِذا صُمتَ، فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وَجهَكَ، لِكَيْلا يَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صائم، بل لأَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك» إلى جانب هذا الصوم كان الفريسيون يصومون يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع بدافع من تقواهم الخاصة، باعتبار أن الخميس هو يوم ذهاب موسى النبي للجبل لاستقبال الوحي الإلهي، والاثنين هو اليوم الذي عاد فيه من الجبل.

وأما العرب في الجاهلية فلم يعرفوا الصوم إلا من خلال ما كان متّبعاً في الديانتين اليهودية والمسيحية، أو كان متبعاً لدى الحنفاء منهم الذين كانوا على ما تبقّى من دين إبراهيم وإسماعيل. غير أنه يروى أن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء وكانوا يكسون فيه الكعبة بكسوة جديدة وذلك لما أصابهم من قحط ثم رفع عنهم فكانوا يصومونه شكراً وتعظيماً للآلهة. غير أنه من الأكثر تحقيقاً القول بأن صومهم لم يكن يعني الإمتناع عن الأكل والشراب بل كان يعني الإمتناع عن الكلام لفترات محدودة.

وأما الصوم الإسلامي فكان في بدايته كما تنص بعض الروايات عند مقدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة فيما يرويه البخاري أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ (اليهود) يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ: (أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) فكان صيامه أولَ الأمر فريضة، ثم نُسخ الوجوب بفرض صيام رمضان، وصار صيام عاشوراء على الاستحباب.

وأياً تكن هذه الروايات فإن القرآن الكريم أمر بصيام شهر رمضان معتبراً هذا الصوم هو امتداد للصيام الذي كتب على اهل الكتاب، فجاءت الآية مؤكدة استمراريته وفرضيته على المسلمين كافة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ  يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

وكما في الشرائع السماوية السابقة فإن هدف الصوم ليس الجوع والعطش وإنما كبح الرذائل والتسلّط على الغرائز والتعلّق بالله. لذا فالصوم لا يقوم على الإمتناع عن المأكل والمشرب فحسب، وإنما عن غض العين والأذن والقدمين واليدين وكل أعضاء الجسم عن المحرّمات، فالمقصود من الصوم حثّ المؤمن على الإلتفات الى جوهر عبادة الصوم وروحه ومقاصده وعدم الإقتصار على القيام بهيئته وصورته من الإمتناع عن الأكل والشراب وباقي الشهوات الجسدية، فكم من الصائمين من يتعبون أنفسهم بالجوع والعطش فيخلطون طاعتهم بالآثام ويكون صيامهم متابعة وتقليداً، «فربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع» يقول النبي صلى الله عليه وسلم.