بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 حزيران 2019 12:05ص العلماء والدعاة في أيام العيد: اختموا صومكم بالخير

والمداومة على طاعة الله تعالى فإنها دلالة القبول

حجم الخط
خير الأعمال خواتيمها، ولا قيمة للأعمال بدون قبولها، والصوم أجره عظيم لا يعرفه إلا الله عزّ وجلّ، ولكن كيف يفوز الصائم بالقبول، حتى يدخل من باب الريان الذى وعد به الله عباده الصائمين أن يدخلوا منه. فهنيئا لكل من قبل عمله فى رمضان، ولا يقنط من خسر رمضان، فعليه أن يجتهد فى العبادة، ويتوب إلى الله، لقوله تعالى: {لا تقنطوا من رحمة الله}.

وإذا كان كل شيء خلقه الله له علامات فلا خلاف أن هذه العلامات تكون هى المؤشر الأول لقبول الصيام أو عدم قبوله، خاصة وأن الصوم لله تعالى ولا يعرف جزاؤه وثوابه سواه سبحانه وتعالى.

فكما ورد في الحديث القدسي (عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ). 

ولكن مع كل هذه البشائر للصائمين يبقى السؤال.. 

كيف نحافظ على ما كنّا عليه في رمضان من صفاء ونقاء وعبادة تجعل الإيمان نهج حياة وليس مرحلة مرّت وانتهت..؟!

اللقيس

{ بداية قال الشيخ غسان اللقيس، إمام مدينة جبيل، من علامات القبول لطبيعة هذه العبادة الروحانية هي إخلاص العبادة لله وحده في هذا الشهر الكريم، وهو إخلاص يتطلب بذلَ جهدٍ فريدٍ في تطبيق مفهوم العبادة لله عزّ وجلّ، وأصولها والمرتبطة بقوله عزّ من قائل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (سورة البينة)، وهو المتوازي والمتناغم مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً ُيبتغى به وجهه) صحيح الجامع، ومعنى ذلك ببساطة أن تكون العبادة وما اتصل بها من أعمال خالصة للّه عزّ وجلّ لا شريك فيه ولا خليل ولا رفيق، وإلا كانت مردودة على صاحبها وغير مقبولة، أو تكون بابا من أبواب الرياء، وهذا بالطبع يأتي متوافقا مع قول رسول الله في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها إلا الصيام فهو لي، وأنا أجزي به).

وتابع: من العلامات أيضا، تقوى الله في السر والعلن، باعتبار أن من دواعي ارتياح الصائم، وشعوره بأن صيامه مقبول ومرفوع، هو أن نربّي أنفسنا على مراقبة الله عزّ وجلّ وخشيته في كل أقوالنا وأفعالنا في هذا الشهر وفي غيره من الشهور، والإكثار في الطاعات، والبُعد الكامل عن المعاصي والزلّات، لنصل إلى الطريقة العبادية المنصوصة في الحديث الشريف بأن نعبد الله وكأننا نراه، فإن لم نكن نراه فهو يرانا، وأن نربط في ذلك بين المعنى الرصين للصيام، والمعنى الظاهر لحتمية التقوى، وهي الحتمية المنصوص عليها في آية الصيام {لعلكم تتقون} ولقوله تعالى {إنما يتقبل الله من المتقين}.

وأيضا من هذه العلامات، صوم الأعضاء والجوارح عن ارتكاب المعاصي، وهو ضبط في حاجة إلى وعي وحكمة، حتى تتحقق فائدة الصيام ومشروعيته، فعلى المسلم أن يجتهد في تهذيب نفسه أولا، وتجنيبها فعل المعاصي وهو ما سيترتب عليه مباشرة، تهذيب الجوارح عن السقوط في الحرام، وهو ما يأتي متناغماً مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس له حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وقول الزور هو من عمل الجوارح – اللسان – فما بالنا ممن يطوّع كل جوارحه في دوائر المعاصي، وهو ما ينتقص بطبيعة الحال من مشروعية الصيام، هذا بالإضافة إلى الدعاء بقبول العبادات، وذلك لاعتبار مهم وهو أن شهر رمضان هو شهر القبول والاستجابة، ويبشّرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن شهر الصيام هو شهر قبول الدعاء في قوله: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة في رمضان، وأن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة).

الحاج شحادة

{ بدوره رأى القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة إنه لا خلاف على أن شهر الصيام هو شهر عبادي فرائضي روحاني بالدرجة الأولى، لأن العبادة فيه منصوصة بطابع خاص تتمحور حول رؤية إقرارية مباشرة من الخالق عزّ وجلّ، وهي في الأصل فريضة مكتوبة بإرادة سماوية مباشرة، مردودة لقوله عزّ وجلّ: {يا إيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، ولقوله في السورة نفسها: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، فنحن أمام نمط عبادي خصّه الله عزّ وجلّ بصفة مباشرة، دون غموض أو إلتواء أو تأويل أو اختيار، وبمكانة ذات خصوصية شديدة الأثر، واختيار الله عزّ وجلّ لصيام هذا الشهر، ولإتمام لون من ألوان العبادة فيه لم يكن من فراغ، فالإسلام وفرائضه مبنيان على الحقائق العقلانية في الأصل، فحينما خصّ الله هذا الشهر المعظّم بالتبجيل والتوقير والعزّة، ووسّع من دائرة ثوابه، فلم يكن هذا من فراغ أبداً، فرب العزّة حينما أراد إقرار الصوم برّر لقيمته، ولعزّة الفريضة فيه، ولاختياره للثواب الأعظم قال: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}، ثم أكمل بصيغة الحكم فيه فقال: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، إذن فللأثر الأجل لنزول القرآن، ولدوره في – هداية – الأمة كلها، كان المنطق الإيجابي يحكم بأن نوقّر هذا الشهر بنمط عبادي روحاني خاص، ألا وهو الصوم وهذا الذي يجب أن تتدبّره الأقوام والناس والمؤمنون جميعا.

وتابع: إن من روائع الإحساس بفكرة قبول الطاعة في رمضان، أن تستوي أخلاقياتك وتعتدل جوارحك فيما بعد شهر الصيام مع ارتياحك لذلك، المداومة على العمل الصالح بعد رمضان، باعتبار أن أعمالك الصالحة في رمضان أصبحت حجّة عليك، وشاهدة على أقوالك وأفعالك فيما بعد الشهر الكريم، والتزامك الخلقي والديني فيما بعد انتهاء الشهر الكريم من أقوى الدلائل على علامات قبول الطاعة في الشهر الكريم، وكان السلف الصالح يدعون ربهم أن يبلغهم شهر رمضان قبل ستة أشهر من مجيئه، ويدعون ربهم أن يتقبّل منهم صيام الشهر وأفعالهم ستة أشهر بعد رحيله، وهذا معناه أن سلفنا الصالح لم يكونوا ينسون هذا الشهر العظيم وفضائله حتى بعد رحيله، وليس معنى أن شهر رمضان قد انتهى، أننا نقاطع المساجد، ونمتنع عن صيام السُنّة، ولكن هذه السُنن والمواظبة عليها هي تأكيد على قبول الصيام، ونبدأ بأول هذه السُنن مباشرة بعد الانتهاء من شهر رمضان وهي صيام (ستة أيام) من شهر شوال سواء متصلين أو منفصلين.