بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الثاني 2021 12:00ص حرمة دم المسلم

حجم الخط
الشيخ د. يوسف جمعة سلامة*


أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (‏لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْس،ِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ)، وهذا الحديث حديث صحيح، أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب الديات، باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ... فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

الإنسان هو سَيِّد هذا الكون، وخليفة الله - سبحانه وتعالى- في أرضه، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجدَ له ملائكته، فكلّ ما في الكون مُسَخّر لخدمة الإنسان، وديننا الإسلامي الحنيف يُكَرِّم الإنسان تكريماً عظيماً، كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.

ومن الأمور المُؤسفة في هذه الأيام أنّ كرامة الإنسان قدْ دِيستْ، وأنّ الاعتداء على حياته أصبح سهلاً وهيّناً، وهذا كلّه يخالف تعاليم الإسلام التي تنصّ على الحِلْم والعفو والصّبر وحُرْمة الإنسان المسلم، فنسمع عن حوادث القتل بين المسلمين أبناء الشعب الواحد، حيث يُقتل الرّجال ويُيَتّم الأطفال، وتُرمّل النساء، وتُخرب البيوت، وتُصاب الأمة بحالة من الذّعر.

حُرْمَة دم المسلم

من المعلوم أنّ ديننا الإسلامي الحنيف قد رسم الخطوط العريضة لسلامة الإنسان وكرامته وعدم الاعتداء عليه وقتله، فالإسلام صَانَ النفوس، وحافظ على الأرواح والدِّماء والأموال، وحذّر من القتل وعواقبه؛ لأِنّ الإنسان بُنيان الله، ملعونٌ مَنْ هَدَمَه، فقد حذَّر رسولنا الكريم  صلى الله عليه وسلم من الاعتداء على الإنسان في أحاديث عديدة، منها:

- قوله - صلى الله عليه وسلم-: (‏لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِم).

- وقوله - صلى الله عليه وسلم-: (‏لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ ‏‏لأَكَبَّهُمُ ‏اللَّهُ فِي النَّارِ).

- وقوله - صلى الله عليه وسلم- أيضاً: (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).

لقد سَاءَنَا أنّ الأَمْرَ في هذه الأيام الصّعبة التي يُواجه فيها شعبنا الفلسطيني جرائم الاحتلال الإسرائيلي ووباء كورونا، قد تجاوز كلّ الخطوط الحمراء بين الأخ وأخيه، وبين الجار وجاره، حيث إِنّنا نسمع يوميًّا أخبار القتل على توافِهِ الأمور في مختلف الأراضي الفلسطينية.

أين نحن من قوله سبحانه وتعالى: {أَنَّهُ منْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.

وأين نحن من قوله - صلى الله عليه وسلم-: (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ)، أي لا يظلمه، ولا يتركه يُظلم وَيُهان دون أن يُقَدِّم له المساعدة. وأين نحن من قوله - صلى الله عليه وسلم- أيضاً: (فَإِنَّ اللهَ حَرَّم عَليكم دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فلزوال الكعبة أهون على الله من إراقة دمِ المسلم، ولا يزال العبدُ في فُسْحَةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً).

عقـوبة القتـل العمـد

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}. وجاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآية السابقة: ({وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} أي ومن يُقدم على قتل مؤمن عالماً بإيمانه مُتَعَمِّداً لقتله فجزاؤه جهنم مُخَلّداً فيها على الدّوام، وهذا محمول عند الجمهور على من استحلّ قتل المؤمن كما قال ابن عباس لأنه باستحلال القتل يصبح كافراً، {وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} أي ويناله السّخط الشديد من الله والطّرد من رحمة الله والعذاب الشديد في الآخرة).

إذاً أربع عقوبات عظيمة جزاء من قتل مؤمناً مُتعمّداً بغير حقٍّ، كل واحدة منها تُوجل القلب وتُفزع النّفس: (جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا)، وَمَنْ يستطيع أن يصبر على نار جهنم؟!، (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ)، وبئسما حصل لنفسه من غضب الربّ العظيم عليه، (وَلَعَنَهُ) فطرده وأبعده عن رحمته، (وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)، وَيْلٌ لقاتل المؤمن المتعمّد، وَيْلٌ له من هذه العقوبات، النار، وغضب الجبَّار، واللعنة، والعذاب العظيم، فأيّ قسوةٍ وغلظةٍ انطوت عليها قلوب هؤلاء القتلة؟!

بِمَ يُجيب القاتل يوم يأخذ المقتول بتلابيبه بين يدي رب العالمين؟! يقول: يا ربّ سَلْ هذا لِمَ قتلني؟ ويتَّم أطفالي؟ وخرَّب بيتي؟ وهدم سعادتي؟ وأدخل الحزن على أهلي؟، فهل نَخَرَ مجتمعنا إلاّ ما في القلوب من غِشٍّ وَسَواد، ولو شغلتنا تقوى الله لكُنَّا أهدى سبيلا وأقوُم قيلا.

فالواجب علينا جميعاً أن نتمسّك بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وأن نبتعدَ عن الحقد والغِلّ والحسد، وأن نتحابب، فضيق الحال والظروف الصّعبة التي يمرّ بها شعبنا المرابط، يجب أن تكون حافزاً للتعاضد والتكافل والتحابب، فالمصائب يجمعن المُصَابينا.

* النائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس