بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 آذار 2020 12:01ص عبيد... لبسوا عباءة الملوك

حجم الخط
يكاد الدم يتجمّد في العروق، من كثرة النفاق الذي يُغلّف صنائع الناس، ومن التزلّف الذي يصبغ تصرفاتهم وسلوكهم، فمن مقبل لليد وداعٍ عليها بالكسر... إلى آخر يرسم ابتسامة عريضة تغلّفها نار الحقد والغيرة والحسد... إلى ثالث يحني القامة، والكبرياء يتأجّج في قلبه... وكلهم يصل إلى مبتغاه بفضل نفاقه ودهائه.

وعجيب أمر الناس في عصر المال والسلطة... يعبدون الدرهم والدينار، ويتسلل الاخضرار إلى وجوههم بعدوى الدولار... وتتجسّد تحت معالم الحرية شخصية العبيد الأرقاء، الذين لا ينفذ لهم قول، ولا يوثق لهم عقد، ولا يؤمن لهم عهد.

وعجيب أمر أولئك الذين يحتمون بالكرسي والمنصب، ليرمموا ما أكل السوس من شخصيتهم... وليحتموا بها من نقد المطّلعين على ثغرات تصرفاتهم وما يفعلون... فيكبرون بالكرسي الذي يتربعون عليه، وفي الحقيقة فان الكرسي يصغر بالجالس عليه... انهم خشب مسندة ترصدهم الكاميرات ليس إلا...

أبراج عاجية يحتمي بها أقزام... يدّعون أنهم عمالقة، وبفضلهم تقزّمت القضايا الكبرى التي أثقلت كاهلهم... عرفوا من الأشخاص السائق والحاجب والسكرتيرة... ومن غير الأشخاص المزاريب التي تصب في حساباتهم المصرفية... وإذا ما تحرّكوا في عتمة ليل بهيم، انكشف النهار عن تفاهات يعرّضونها فصغر العارض والمعروض.

مماليك لبسوا ثياب الملوك، وادّعوا درجة الملك، ونسوا مقالة انه لو دامت لغيرك ما آلت إليك... وأكثر من ذلك تمادوا في غيّهم... وتفرعنوا... وطغوا... ونسوا ان الطغيان هو بداية النهاية (اذهب إلى فرعون انه طغى) والموقف يحتاج إلى رجل من الزمان الغابر كالـ: عز بن عبد السلام.

وقصة العز بن عبد السلام انه كان يشغل منصب قاضي القضاة في مصر، نظر فوجد أن معظم أمراء الدولة من المماليك الذين اشتراهم السلاطين بأموال بيت المال وانخرطوا في سلك الجندية، وبلغوا رتبة الامارة فكان القاضي العز بن عبد السلام يقضي ببطلان تصرفاتهم وعقودهم من بيع وشراء ورهن... عندما أدرك أن الرق حق في أعناقهم فاستعانوا عليه بالسلطان فأمره أن يتراجع عن موقفه تجاههم.. فما كان منه إلا ان استقال ووضع متاعه على حمار وزوجته على حمار وسار خلفهما خارجاً من مصر مرتحلاً عنها... ثار الناس وساروا وراءه... فخاف السلطان على حكمه ورضخ لحكم القاضي الإمام، بعد أن خرج لملاقاته واسترضاه وأعاده إلى عمله وتم للقاضي ما أراد ونادى على الأمراء واحداً بعد الآخر وغالى في ثمنهم وردّ المال إلى بيت المال وكتب لكل واحد منهم اشهاداً شرعياً بحريته...