بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيلول 2019 12:02ص على الباغي تدور الدوائر...

حجم الخط
لا يفرّق الله بين المتساوين ولا يساوي بين المختلفين، وهلكة الماكر والباغي مسألة وقت، فالزمن جزء من العلاج، ولا يصحّ أن تهتز الثوابت والمعايير، قال أحد العلماء: «خصلتان من كنّ فيه كنّ عليه: المكر... ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ. والبغي.. إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم».

وهذه الخصال من أسباب دمار أهلها، والعلاقة وثيقة بين الأسباب والمسبّبات... والمقدمات ونتائجها، أعمالكم عمالكم، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} وقال: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فلها...} وفي الحديث: «اعمل ما شئت فإنك مجزى به» وصحّ في الخبر: «يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إيّاها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومّن إلا نفسه».

يروى انه أتى رجل لأحد العلماء يقول له: «إن بني فلان قد تواطؤوا عليّ وصاروا يداً واحدة. فقال: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. قال: إن لهم مكراً. قال: ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ. قال: هم فئة كثيرة. فقال له العالم: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ... وأنت حين تشتهى الخلاص من الفاجرين، ثقْ تماماً أن مكرهم وبغيهم سيدمّرهم تدميراً.

وقصَّ علينا القرآن صورة من مكر ثمود بنبيهم صالح، قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}.

وكذلك مكر المنافقون برسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وكان مآل مكرهم الفساد والبطلان، وظهر زيفهم لأولى البصائر والنهي، فإنه ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسرّ أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر.

ومكر اليهود برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاولتهم قتله، وتآمرهم مع المشركين عليه كثير معلوم، فكان أن قُتل بعضهم وأجلى آخرين، وظهر أمره صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان المكر السيئ وباله على صاحبه، فكذلك الأمر بالنسبة للبغي، وهو أسرع الجرائم عقوبة، قالوا: من سلّ سيفا للبغي قُتل به، وعلى الباغي تدور الدوائر، والبغي يصرع أهله. فالباغي مصرعه وخيم، ومن حفر حفرة لأخيه سقط فيه، فاهجروا البغي فإنه منبوذ. قال ابن عباس - رضى الله عنهما: «لو بغى جبل على جبل لجعل الله - عزّ وجلّ - الباغي منهما دكاً»..

قال أهل العلم: «سبحان الله، ان النفس أمّارة بالسوء وفي النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقبح هامان، وهوى بلعام، وحِيَل أصحاب السبت، وتمرّد الوليد، وجهل أبى جهل.. وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفّة الفراش، ونوم الضبع، غير ان تقوى الله عزّ وجلّ تذهب كل ذلك.