بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

2 تشرين الأول 2020 07:29ص السفارات الأجنبية بين مرمى الكاتيوشا وعجز الحكومة

متظاهرون عراقيون يرفعون صور متظاهرين قتلوا خلال التظاهرات في العراق في الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة الأول من أكتوبر 2019 متظاهرون عراقيون يرفعون صور متظاهرين قتلوا خلال التظاهرات في العراق في الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة الأول من أكتوبر 2019
حجم الخط

اجتمعت الرئاسات الثلاث في العراق وبحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى، وتذكّر المجتمعون بأن هناك من يوازي الدولة في وظيفتها باحتكار العنف المنظَّم ـ كما يقول ماكس فيبر ـ ولذلك سارعوا إلى إصدار بيان يؤكد على أن "ليس من حق أي طرف إعلان حالة الحرب أو التصرّف على أساس حالة الحرب داخل الأراضي العراقية". ويبدو أنهم استشعروا الخطر بعد رسائل التهديد بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد بعد عجز الحكومة عن حمايتها من صواريخ الكاتيوشا.

وقبل هذا الاجتماعات، اتفق الفرقاء السياسيون ـ وهم نادرا ما يتفقون إلا على صفقاتهم في تقاسم المناصب ـ في بيانات الشجب والإدانة لاستهداف مقرات البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء. لكن لا بيان الحكومة ولا بيانات القوى السياسية التي تمثل الفصائل المسلحة كانت قادرة على منع تكرار إطلاق الصواريخ على مطار بغداد التي أخطأت أهدافها كالعادة، وليكون ضحيتها عائلة عراقية من سبعة أفراد.

تخبرنا تجارب الأمم، أن رجالات الدولة لا يظهرون في أيام الرخاء، وإنما يكون حضورهم التاريخي في أيام المحن والشدائد. أما في العراق فإن الفرقاء السياسيين منذ بدايات مشاركتهم في العمليّة السياسية بقوا منشغلين في سؤال من يحكم، وليس كيف يحكم؟ فمن يحكم، لا يحكم وفق معايير رجال الدولة والتحدي الذي تواجهها، وإنما على وفق معاييرهم التي تحكمها مصالحهم الخاصة، والبحث عمَّن يمكن أن يقدم لهم من ضمانات للحفاظ على تلك المصالح، فضلا عن ذلك يجب أن يكون من ضمن منظومتهم السياسية حتى إذا فكَّرَ بترسيخ سلطته، فيجب ألا يمس تمرّده منظومة التوافقات والصفقات التي تأتي به إلى سدة الحكم.

لم نكن نتأمل من حكومة الكاظمي صناعة المعجزات ولم ننخدع بشعارات "حصر السلاح بيد الدولة" ولا بـ"استعادة هيبة الدولة" ولا "العراق أولا"، فالمواطن العراقي بات خبيرا بشعارات الحكومات الزائفة. كل ما تأملنا منه هو أن يوقف التدهور الذي يعيشه العراق عند حدود الفوضى التي خلفتها الحكومات السابقة لا أكثر من ذلك ولا أقل. ولذلك كان التعويل على حكومة الكاظمي، باعتبارها كسرت الاحتكار السياسي للزعامات والأحزاب السياسية في منصب رئيس الوزراء، أن تدير منظومة الخراب بأقلّ الخسائر وأن تحدّ من تراكمه حتى يكون هناك أمل بالإصلاح وتصحيح مسار النظام السياسي.

لكن مبررات قيام أي حكومة وأساسيات أدائها تعتمد على فاعليتها السياسية؛ رغم ذلك، لم نتحدث عن رفع مستوى دخل الفرد ومعالجة مشكلة الفقر ولا عن إعادة دورة الحياة الاقتصادية، ولا عن رفع الناتج والدخل القومي في ظل جائحة كورونا، ولم نتحدَّث حتى عن الارتقاء بالبنى التحتية أو عن شوارع نظيفة، ولا عن انتظام الكهرباء، ولا عن حق البصرة في الماء الصالح للشرب، ولا عن معالجة مشكلة النازحين والمهجَّرين. فكل هذه أصبحت ترفا بجانب حق المواطن في عدم الموت المجاني والخطف والاغتيال. فالحكومة التي لم تستطع فرض القانون وسلطة ووجود الدولة على المنطقة الخضراء كيف لها أن تأمن أمن المواطن في الشارع؟

ثمة من يرى أن الحكم على حكومة الكاظمي وتقييم أدائها متعجّل لأن عمرها لم يتجاوز الستة أشهر، وقد يكون هذا الاعتراض صحيح من حيث المبدأ. لكن المقدّمات الصحيحة تؤدي إلى نتائج صحيحة، ولحدّ الآن لم نتلمس أي خطوات توحي بوجود مشروع حقيقي لاستعادة هيبة الدولة، وهو يعرف جيدا بأن البداية تكون بالقرار الأمني.

ومن جانب آخر، بعد أن حددت الحكومة موعد الانتخابات في الشهر السادس من العام القادم، فإن المراهنة على عامل الزمن ليس في صالحها، ووفقا لهذا التحديد ما تبقى من عمر حكومة الكاظمي هو ثمانية أشهر بصلاحيات كاملة ولا زلنا ننتظر القرارات والمواقف الحاسمة وليس التصريحات. ومن ثم، كيف يمكن التعويل على الانتخابات والمشهد الأمني تسوده الفوضى بوجود سلاح منفلت يتحدى الحكومة والدولة بالخطف والاغتيال وصواريخ الكاتيوشا؟

التحدي الذي تواجهه حكومة الكاظمي يختلف تماما عن التحديات الأمنية التي كانت تواجه الحكومات السابقة، من حيث الجغرافية فهو تحدي مركز العاصمة وتحديدا مركز القرار السياسي ومقرات السفارات والبعثات الدبلوماسية، وليس أطراف بغداد أو المحافظات. وثانيا من حيث الغاية من هذه الهجمات هي إحراج الحكومة أمام حلفائها الخارجيين، وثالثا الاختلاف في هوية وانتماء الجهات المهاجمة، فبعضها يجمع بين التمثيل السياسي في مؤسسات الدولة وبين امتلاكه السلاح خارج إطار الدولة.

ويستوجب مواجهة التحديات باستراتيجية أمنية واضحة وصريحة وليس بالبيانات الحكومة الرافضة. ولذلك لا يوجد أي تبرير مقنع أمام تراخيه في اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لاستعادة الدولة إلا إذا كانت هناك صفقة سياسية مع قوى اللادولة التي قبلت بوصوله إلى المنصب في قبال التعهد بعد المواجهة، لا سيما أن الكاظمي كان حاضرا في المشهد السياسي وشريكا في القرار الأمني منذ أيام حكومة حيدر العبادي.

والآن تحت إمرة الكاظمي قوات مسلحة بكامل عددها وعديدها، التي حولت الانكسار والهزيمة في الموصل 2014 إلى نصر وسحقت تنظيم "داعش" وأنهَت وجوده في العراق، ولوحت مرجعية السيد السيستاني بدعم مشروط في حال وجود قرارات ومواقف واضحة لاستعادة هيبة الدولة. كذلك، يحظى بدعم من زعيم التيار الصدري الذي لديه أكبر كتلة نيابية داخل مجلس النواب وكتل نيابية شيعية ذات حضور سياسي مؤثر، ناهيك عن دعم السياسيين الكرد الواضح والصريح وبعض القوى السياسية السنية.

تجمعنا الآن رغبة بالخلاص أو الحد من نفوذ مافيات سياسية باتت تتحكم بمصير العراق ومستقبل أجياله لا تجيد غير لغة العنف والدمار والإثراء على حساب المال العام، وبعضها لا زال يؤمن بأيديولوجيات شمولية لم تنتج إلا الخراب والدمار للبلدان التي حكمتها، ويبدو أنهم مغرمين باستنساخ تجارب الفشل والفوضى.

هذا الهاجس يدفع بالعراقيين إلى الوقوف بجانب أي حكومة تضبط الأمن وتحقق سيادة القانون والنظام، وإذا فشلت الحكومة في فرض رؤيتها للأمن مع شركائها السياسيين كيف لها أن تحقق الأمن للمواطن والمجتمع من جرائم القتل والتصفيات والخطف المستمرة؟

وفي حركة ارتدادية ما أن نتقدم خطوة نحو تحقيق الأمن والاستقرار حتى نتراجع خطوات في مجال بناء دولة المؤسسات!


المصدر: الحرة