بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 كانون الثاني 2020 12:03ص أموال التهريب والتهرّب أكبر بأضعاف من حجم الدين العام بالليرة وبالدولار

حجم الخط
خلال اللقاء الشهري بين مصرف لبنان ولجنة الرقابة وجمعية المصارف، تطرق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى الودائع التي جرى تحويلها خارج لبنان بعد بداية الحراك الشعبي والتي يقدرها البعض بحوالي 6 مليارات دولار، معتبراً «ان هيئة التحقيق الخاصة لم تتلق من المصارف في الخارج التي تلقت هذه التحويلات أي مراجعة، وأن من واجب الهيئة معرفة أصحاب هذه الأموال ومصدرها، كما وان مسؤولي الامتثال في المصارف لم يتلقوا عن أي حركات أموال غير طبيعية لهيئة التحقيق الخاصة، وان مصرف لبنان سينشر المعطيات والأرقام وتظهر عندئذ الحقيقة».

وبانتظار انجلاء الحقيقة، يبقى السؤال: كيف سيتصرف القضاء تجاه هذه الأموال، في حال انها حولت بطريقة غير شرعية ثم جرى استعادتها الى حساباتها الأصلية في المصارف التي تحولت منها الى الخارج، وهل ستكون تحت تصرف أصحابها مجددا، وعليهم كما أصحاب باقي الحسابات السحب منها ضمن السقوف المحددة أي بين 200 و300 دولار أسبوعيا، وتبقى الأرصدة الباقية لدى المصارف بحوالي 6 مليارات دولار سيولة ولآماد طويلة بانتظار انتهاء التحقيقات القضائية بشأنها؟ وهل ستقتصر مسؤولية تحويلها الى الخارج بصورة غير شرعية، على المصارف التي حولتها، أم قد تشمل المسؤولية أيضاً أصحاب الحسابات أنفسهم اذا ثبت ان هناك نوعا من «الترتيبات المشتركة» التي كان هؤلاء طرفاً مشاركا فيها، وهذا كله إذا استعيدت الأموال بالفعل الى حساباتها الأصلية.

وماذا اذا أضيفت هذه الـ6 مليارات دولار الى سيولة  الـ15 مليار دولار التي يطالب بها الحراك والرأي العام عموما، في «منظومة الفساد الكاملة» من التهرب الضريبي والتهريب الجمركي، والتلاعب بالتخمين العقاري، وفي مخالفات المناقصات، والأملاك البحرية والبرية، والمقالع والكسارات، وفواتير الدولة غير المحصلة من السياسيين وأصحاب النفوذ.. يضاف اليها أيضاً أرصدة مالية ناتجة عن فساد من سياسيين وغير سياسيين، وصلت في بعض التقديرات الى 150 مليار (وحتى الى 800 مليار دولار!! (الرقم المنسوب الى وزارة الخزانة الأميركية) وبما يجعل المجموع الوسطي لهذه المبالغ أكبر بأضعاف مضاعفة من حجم الدين العام بالليرة  وبالدولار! 

بل ان استعادة حتى جزء من هذا المبلغ، يكفي لوضع لبنان مجددا على سكة الأمان المالي والاقتصادي والاجتماعي.. والكرة في ملعب هيئات محلية ودولية يمكنها أن تنجز المهمة، بدءا من هيئة التحقيق الخاصة التي شكلت القانون رقم 318 الصادر عام 2001 عن الاثراء غير المشروع وبعده القانون رقم 44/2015 عن جرائم تهريب تبييض الأموال، واتفاقيات مكافحة الفساد في اطار الأمم المتحدة التي تضم 186 دولة بينها لبنان.  

علماً أنه يمكن عقد اتفاقات جديدة بين لبنان ودول انتقلت اليها هذه الأموال، كما على سبيل المثال الاتفاقية المعقودة بين سويسرا ونيجيريا، اضافة الى دور الانتربول في ملاحقة وتنفيذ استعادة الأموال غير الشرعية المنقولة وغير المنقولة.

والأمر مرهون بالطبع في الدرجة الأولى بحكومة جديدة، أي حكومة جديدة، سواء سياسية وتكنوقراط أو تكنوقراط فقط. ولو ان الأساس يبقى في أن أي حكومة لن يكون بمقدورها أكثر من وضع خطط مبدئية ومشاريع قوانين سيكون طريقها المحتوم الى المجلس النيابي، (حيث المثل «اللجان مقبرة المشاريع») ثم الى أن المجلس العديد من نوابه متورطون في العمليات التي ستسعى أي حكومة الى التحقيق فيها. فيما المطلوب ان لا يكون السياسيون هم من يتولى هذه المهمة التي هي من اختصاص القضاء المفروض بدوره أن يكون بعيداً عن التسييس والسياسة والسياسيين. وإلا فان اللجوء الى غير القضاء، وتسليم الملفات الى مجلس الوزراء ومجلس النواب واللجان النيابية سوف يجعل من أي سياسي متهم بالتورط في أموال مهدورة أو منهوبة، على نموذج «انت الخصم والحكم»! 

والدليل أنه على مر السنين لم يدخل سياسي واحد، أياً كان حزبه ولونه واتجاهه، حتى الى قفص الاتهام فكيف بالسجن؟! وليس هناك الآن من دلائل جديدة تؤكد أو توحي بالعكس، ما دامت العوامل الطائفية والمذهبية والتقاليد والاعراف مدعومة بـ»الميثاقية»، كلها على حساب القانون، وعملا بالقول الشهير لميشال شيحا عن لبنان: «بلد تصونه التقاليد (يقصد الطائفية!) من التطرف».. في الاتهام وفي الأحكام!