بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تشرين الأول 2020 07:28ص دولار هبوط وأسعار صعود وتقنين الليرة لا يكفي ولا يشفي

حجم الخط
على طريقة بطل رواية مصرية يدعى «عبد المعطي»  اشتهر في الرواية بأنه «كان يأخذ ولا يعطي»!! هكذا قصة غالبية سوبرماركات ومحلات السلع المعيشية في لبنان مع المستهلك. تأخذ منه فارق ارتفاع  الدولار ولا تعطيه فارق الهبوط بخفض الأسعار! والدليل انه رغم انخفاض سعر الدولار بمتوسط ٢٥% من نهاية أيلول وحتى الآن، لم ينخفض بالمقابل مؤشر الأسعار في آب بمتوسط  22,8% مقارنة مع نيسان وأيار وحزيران، حيث ارتفع سعر اللحم 32,70% المعلبات، الزيوت، الحبوب 28,6% بعض أنواع الخبز ٢٥% الأجبان والألبان 18,20% الخضار 21,38%  الفاكهة 1,8%.

والسبب من وجهة نظر السوبرماركات والمحلات ان هذه السلع وسواها جرى استيرادها وشراؤها بسعر دولار مرتفع، ولا يمكن بيعها بسعر دولار منخفض. مع أنه عندما يجري استيراد كميات جديدة منها بدولار منخفض لا تظهر آثار الانخفاض على الأسعار الا أحيانا أو جزئيا على بعض السلع. والمبدأ الاقتصادي القائم على العرض والطلب موجود في الكتب وليس في لبنان في غياب الرقابة  بشكل عبر عنه يوما أحد المواطنين : «عندما قلت لصاحب المحل كيف تبيع هذه السلعة بـ٢٠ ألف ليرة والاذاعة تقول ان سعرها ١٢ ألف ليرة، اجابني: روح اشتريها من الاذاعة»!

تقنين السحوبات لا يكفي... ولا يشفي

 في هذا الوقت يستمر السباق بين  جنون الأسعار و»عقلنة» سعر الدولار بانخفاض مترافق مع اجراءات تقنين السحوبات بالليرة اللبنانية التي لا تكفي وحدها لكبح جموح التضخم المتعدد المنابع، حيث السحوبات من المصارف ليست المصدر الوحيد لدفق الليرات الى الأسواق، بل هناك أيضا انفاق الدولة شهريا بالليرة على رواتب وأجور الجهاز الحكومي الذي يعتبر حجمه بين الأعلى في العالم، ان لم يكن الأعلى،  لجهة حجم الناتج وعدد السكان وعدد الموظفين والاجراء والمياومين والمتعاقدين والمتقاعدين، بما يشكل تقريبا ثلث نفقات الدولة بالليرة مضافا اليه فوائد الدين العام وباقي النفقات اليروقرطية الادارية. وكل اجمالي هذه النفقات وسواها بالليرة تزيد في حالات  التضخم ولا تصب في اقتصاد الانتاج الحقيقي The Real Economy  من صناعة أو زراعة أو تكنولوجيا أو سياحة او حتى أي نوع من خدمات تدر موارد حقيقية.

ولذلك كان من أهم بنود الاصلاحات تقليص حجم الجهاز الحكومي، عبر نقل جزء كبير من  موظفي وعمال القطاع العام من أجهزة الدولة ودوائرها ودواوينها ومكاتبها وفروعها الى مواقع منتجة قائمة أو مستحدثة في مختلف المحافظات في مشاريع  عامة أو خاصة  معفاة من الضرائب والرسوم، تؤدي الى واردات وموارد حقيقية بما يحد من التضخم   ويغني الدولة عن طبع ليرات غير انتاجية تعاظمت خلال الأزمة الاقتصادية والمصرفية الراهنة، حيث ارتفع حجم النقد المتداول ٦٥٠٠ الف مليار ليرة في أواخر أيلول ٢٠١٩ الى ٢٤ الف مليار ليرة ايلول ٢٠٢٠.

وحتى تسليفات المصارف بالليرة للقطاع الخاص قبل الأزمة الراهنة لغاية نهاية أيلول ٢٠١٩ البالغة ٧٢١١٢ مليار ليرة،  الجزء الأكبر منها  يزيد في منابع التضخم، حيث حصة القطاعات الصناعية والزراعية المنتجة والتصديرية من هذه التسليفات لا تزيد عن ١٢% والباقي للتجارة والخدمات والوساطات المالية والقروض الاستهلاكية الشخصية والمقاولات والبناء والاسكان. يضاف انه عندما يكون مجموع أيام  العطل والعطلات  أكثر من ١٠٠ يوم في السن في بلد مثل لبنان فان هذه الأيام المعطلة المدفوعة الأجر دون انتاج أو مردود، تساهم أيضا في جموح التضخم، فكيف وقد زادت مدتها وحدتها اخيراً بسبب جائحة الكورونا والاضرابات الدورية والموسمية والاحتجاجات الشعبية.

وحتى زيادات ضرائب الدولة بطريقة عشوائية غير مدروسة تزيد في اشتعال التضخم  الذي من بين أهم أسبابه ارتفاع الكلفة  Cost Push Inflation حيث الدولة في لبنان لا تراعي القطاعات المنتجة بالدعم والاعفاءات أو التسهيلات والقروض الميسرة للمدى البعيد والمتوسط وتخصيص مساحات شاسعة من الأراضي  للاستثمارات بايجارات رمزية واعفاءات ضريبية  لفترات محددة لمشاريع انتاجية ضخمة  تشغل عددا كبيرا من القوى القادرة على العمل التي  تزداد في لبنان بأكثر من ٣٠ ألف شاب وشابة كل عام كان يبقى منهم  قبل الأزمة أكثر من ٢٠ ألف شخص دون عمل، فكيف الآن مع استمرار الأزمة الى أمد غير منظور في بلد لا تنال منه القطاعات الانتاجية سوى الوعود والشعارات السياسية التي تتحدث عن تحفيز الانتاج دون أي اجراءات عملية في ظل منظومة سياسية تنهب العسل وتشجع  الكسل بدل العمل، وتفرّخ التضخم وارتفاع الدولار وجنون الأسعار.