بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 كانون الأول 2023 12:00ص أمي وما أدراكم ما هي الأم!

حجم الخط
في مثل هذا اليوم، منذ ثلاثة عقود بالتمام والكمال، غابت أمي.
ثلاثة عقود، ولم تغب أمي عن خاطري يوماً، يوماً من أيام السعادة أو يوماً من أيام البؤس؛ ففي البؤس أتمنى وجودها. لعلّ حنانها يخفّف الشقاء. وفي أيام الفرج والفرح، افتقدها لتشكر الله معي على نعمه، ولتشاركني بنعمته.
أمي لم لا يعرف. هي جوليا يوسف الطيار الحكيمة النسائية، خرّيجة الجامعة السورية، ابنة برج صافتا. ووالدها كان من أبرز أعيان تلك البلدة جاءت إلى جبل عامل لأن القدر شاء بأن تتلاقى بوالدي مفيد محمد جابر آل صفا. في العراق حيث اقرنا على يد السيد محمد جعفر أبو التمن رئيس مجلس الأعيان في حينه في بلاد الرافدين.
في العراق ولد أخي جهاد، وفي النبطية أبصرت النور وتلاني أخوتي، مزين، ومحمد. رحمها الله، وأخيراً جوليا «جونيور».
لا مجال لما قامت به أمي. فالمقالات التي كتبت عنها تشهد، والكتب التي صدرت عن النبطية وتراثها وأعيانها سردت وذكرت وأكدت أعمالها الإنسانية، واختيارها أماً مثالية في الجنوب اللبناني الذي كان يسمى بجبل عامل 1970.
كانت نعم القرينة لزوجها، والدي الذي غاب وهو في ريعان شبابه، وكانت أماً لخمسة أبناء وبنات، اعتبر نفسي أقلّهم علماً.
كان عمل الخير هوايتها، ومهنتها، ومتعتها. أذكر أني كلما كنت متعباً من طلبات الناس.
كانت تقول لي - يا ولدي - حاجة الناس إليك نعمة الله عليك.
علّمتنا هذه المرأة العاملة، والفاضلة أن العلم رصيد والشهادة سلاح ضد الحاجة والفاقة. فجعل أخوتي على أعلى الشهادات ومنهم من تبوأ أعلى المراكز دون منةٍ أو واسطة من أحد. فأخي الأكبر أطال الله عمره جهاد يحمل ثلاث شهادات دكتوراه واتخذ مركزماً مرموقاً في الأمم المتحدة ESCWA في عدد من الدول ثم أستاذاً في معاهد «بوليتينيك» Polytechnique. ومزين أرملة شيكب جابر الذي كان الرجل الأكثر نفوذاً وثراءً في الغابون، ووظّفت شهادة الماجستير لخدمة المغتربين ويذكرها العشرات من الأوفياء، والدكتور البروفسور محمد وصل إلى عضوية مجلس الدولة الأعلى في فرنسا وجوليا التي تحمل ماجستير في المال والإدارة وشغلت مناصب مصرفية رفيعة. فشهادة والدتي حققت لنا شهادات حيث لم يكن لدينا بعد وفاة والدي عقارات لها ريع أو تجارة تدر دخلاً.
أذكرك اليوم يا أمي في ذكراك وكأن العقود التي مرّت هي أيام. وأقف على ضريحك الطاهر. لأقرأ الفاتحة، ودمعتي ترافق دعائي بأن يتغمّدك الله بواسع رحمتك، ويغفر لك ويسكنك جناته الرحبة مع الصدّيقين والقديسين والأطهار والأبرار، وإلى اللقاء معك ومع أهلنا وأحبائنا الذين سبقونا إلى رحاب الله إذا كان في ذلك لنا في الجنة نصيب.