بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 آذار 2023 12:00ص إلامَ الإذعان والتسلّط؟

حجم الخط
خلقنا الله، بعد أَبوينا الأولين، في فردوس من نعمته، وأوصانا أن تنتاول أشياء كثيرة أباحها لنا، وأن نتجنّب أشياء أخرى حظرها علينا.
غير ان شيطان الطمع، يأبى إلّا أن يتصدّى لنا، ويعمل لاغرائنا، لنمدّ أيدينا الى الثمار المحرَّمة، ونقطف ما يحلو لنا منها.
وليست الثمار المحرَّمة سوى حقوق العباد، فمن هضم حقّ مخلوق، عصى الخالق، وخالف مشيئته السامية.
وها هو تاريخ البشرية، يسجِّل لنا في هذا العصر، صفحة سوداء، لا تمحوها أيدي المدنيات المقبلة، مهما تعاقبت على مسرح الحياة.
وكيف لا تُسجَّل لنا هذه الصفحة، ونحن في زمن، لبس معظم أبنائه جلود الذئاب، واقتبسوا طباع العقارب والثعالب، وتسلّحوا ببراثن الأسود، وبأنياب النمرة والضباع.
وكيف تستطيع الحضارات الآتية، أن تمحوَ من تاريخنا ما خطّته أقلام الأنانية الحمقاء، وقد شربت السطور المداد الأسود الممزوج بدماء الضحايا.
لقد داست الاثرةُ الصمير الحي، وحطم الجشع هيكل الحق، ونسيت النفس أو تناست، انها نفحة شذية من روحه عزّ وجلّ، وان الله يأمر بالخير وينهى عن المنكر.
أجل، لقد تجرّد الإنسان عموماً من لطفه وأنسه، واعرض عن رفقه وحسّه، وخنق عاطفته وعزّة نفسه، واتجه بكليته الى الأصفر المعبود، وطفق يضحّي على مذبحه، بأجمل وأغلى ما يملك: وجدانه وشرف اسمه، فكأنما هو باقٍ ببقاء المال، وكأن المال رمز الرفعة والخلود.
وانك لتشاهد في مجتمعاتنا على الخصوص، كثيراً من أمثال هذا «الحيوان الناطق» الذي يحسب المجد وفقاً على الذهب، فيسعى إليه بمختلف الوسائل، غير مبالٍ أداس في طريقه ضميره المتصل ليضع محلّه ضميراً مستتراً أو كما يفعل نافدون اليوم، ضميراً منفصلاً، أم وطئه الذلّ والهوان!
وبعد، ألم يتعلّم شعبنا شيئا من دروس الماضي؟ ولِمَ لا تنتفض القلّة الباقية من شرفائه العقلاء ضد مجسِّدي الشر والقسوة وأعداء الرفق والحنان المنبثقَين من روح الله مصدر الخير والبر والاحسان الذي يتشدقون ليل نهار بانتمائهم إليه. شريعة السماء وشرائع الأرض كلها، تحرّم التلاعب بمقدرات الشعوب ومصائرها وتمقت العشائرية وتلعن المحتكرين. فإلامَ يصبر شعبنا الطيّب على أولئك الذين ما زالوا يحبّون المادة ويصمّ آذانَهم ويغشى عيونَهم ويفسد قلوبَهم ويخنق ضمائرهم الاذعان والتسلّط على السواء فيمسخانهم وحوشاً تفترس وهي شبعانة في حين لا يقدم الذئب الشره الشرس على فريسته، إلّا عندما تعضّه أنياب الجوع؟!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه