بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تموز 2018 12:02ص الغول الأزرق في ديوان «جوباما» للشاعر «أحمد المعتوق»

حجم الخط
استند الشاعر احمد محمد المعتوق في قصيدته „الغول الازرق” على الدلالة المعنوية للكلمة ومحسوساتها اللغوية. لتكون كحضور طاغ في معاني ديوانه بأكمله. اذ يرصد الكلمات التي تسفر عن الظلم الذي حل في شتاء زعموا أنه سيرحل ، ولكم طبول العزاء تدق في نواحي الشرق كله ضمن ايقاع شعري منفرد، ليظهر «الغول الازرق» في قصيدة اولى ضمن ديوان «جوباما” الصادر عن «دار الفارابي».اذ تعيدنا القصيدة الى سيرة «الغول الازرق» الذي غزا الحكايات والاساطير قديما، فسعى الشاعر احمد محمد المعتوق الى كشف كنه هذا الغول او الموت، وربما اقوى من وجه منحوت على صورة القبور التي تمتد في معارك أوحى لها عبر تحولات رمزية تؤدي الى الانتقال من حالة الى حالة، وهي حالات سلبية لا ايجابية فيها حيث النحت بالاظافر والمقابر ترسم وجه الموت الذي يترصد البشر ، بسريالية هي الواقع المتخيل في قصيدة „الغول الازرق” فالعنوان بحد ذاته كديوان مستقل يؤدي دور دولة الخوف او”جوباما” تلك التي ترمز الى عدة معاني ، وكأنها دولة خوف قائمة بحد ذاتها بناها الغول الازرق بأظافر سئمته وانسلخت. اي حين تتبرأ الاعضاء من صاحبها، وحين يتبرأ صانعي الشر من انفسهم، فينسلخوا عن ابناء جلدتهم ينتهكون القيم والاعراف والتقاليد، ويستنبطون القوانين التي تشبه لعبة لا يمكن فك رموزها. الا في تتبع اوردة المعاني التي يحقنها «احمد المعتوق» بدلالات معنوية تأخذنا نحو صور الحروب في الشرق الذي اشتعل، كما اشتعلت الحروب منذ الازل». الموت أنت/ووجهك المنحوت صورة قبرك المحفور/ أنت حفرته/بأظافر سئمتك وانسلخت». وكأن الغول الازرق هو لعبة الموت التي يتقنها صناع الشر على مر العصور، والتي تتسم بسريالية ملموسة في الواقع ومحفورة في قصيدة هي الموت في دولة الخوف، فهل تخطى الشاعر «احمد المعتوق» ترانيم الحياة، ليبرز الكابوس المنتفض على الواقع في غول أزرق؟ 
ايقاع منفرد لف قصيدة «الغول الأزرق «مما فرض الامتلاء في المعنى بحيث تكتفي الدلالة بذاتها، لتكون الكلمة التي بعدها هي اتمام للصيغة الشعرية التي انتهجها الشاعر «احمد المعتوق» بحوارية عقلانية مركبة تركيبا كاملا مكتف بذاته «وأنت في وحل السياسة»، «وتعبث بالمصائر كالقضاء» وبتناغم لا تصدع فيه. مما يدفع بالايقاع الداخلي نحو خصائص مغايرة يلجأ اليها الشاعر لتتواءم مع وحدة النغمة وتتلاحم مع كينونة القصيدة، وسكناتها التي تؤلف الحركة وفق مقاييس الاسلوب الذي يتمتع ببنية مشدودة لبعضها البعض معتدلة الاجزاء، ضمن مقاطع تنطوي على تناغم اللفظ والمعنى، والسبك مع التشابه التقني» وتزعم انك الراعي الامين وسادن الكون»وفي هذه بعض من «وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر» لتكون البلاغة على أشدها في القصيدة «انتدبت لكي تقيم القسط متأثرا بالمفردة القرآنية و«اقيموا القسط بالوزن» التي شدها ليجمع من خلالها حبال قصيدة «الغول الازرق» الشبيه بفرعون دون الاشارة لذلك، وكأننا ما نحتاجه للنخلص من الغول الازرق حجارة من سجيل، فهل يشير من خلال ذلك الى أصحاب الفيل؟ 
فتح الشاعر احمد المعتوق المفردة نحو الايجاز الشديد «ريب المنون» متخذاً من المفردة القرانية تأثيراتها القوية وجماليتها اللغوية، وبتقاطع يرتقي الى الصدى النفسي المرتبط بوحدة الايقاع «او تستخف بمن تضور في العرين!!» لتشكل المقاطع حركة علو تحوكها رحلة الالم والعذاب بحركة تصاعدية بدأت بالموت وصولا الى محتة الانسان منذ الازل. الانسان الذي يلد الذئاب وهي من الحيوانات التي تتضور جوعا وتتغذى على جثث قتلاها، وباستبطان واستجلاء، ضمن مستويات يتلاعب بها بحنكة المتمكن من اللغة العربية ومعانيها «وصرت من يلد الذئاب/ وما ذئاب الارض؟! ارحم منك! /ما ركب الذئاب عواصف النحس/التي اعتصمت بحبك» في اشارة الى من افلتوا الاعتصام بحبل الله واتجهوا نحو الابالسة وزمر الشياطين. فهل تهلك الامم التي لا تعتصم بحبل الله؟.
وهل يشير في ذلك الى ما يجري من تشويه لصورة الاسلام ؟ 
نفس طويل في قصيدة «الغول الازرق» مع ايجاز اشتدت اواصره في محاورة اجتهد في جعلها محاكاة اتفقت مع حال رؤياه التحليلية، لما هو حقيقة تجري فيما يسمى بالربيع الذي احتضر، والغول الذي انقض قاصداً الفهم والتحليل والاستنتاج، والتطلع الى ما وراء الكلمة، مستنداً على المرايا التي تعكس الصور حيث تبرز المفردات مكللة بالمعاني القوية او تلك التي تحمل معها تصورات سريالية، واخرى داكنة معتمة توحي بالسواد الشديد الخالي من النور او الضوء، لشدة الحدث «تراقب الاشلاء تأكل بعضها بعضا وانت – ومن تخادن من قوارض/تحتسي لهب الكؤوس تدار في ردهات قصرك/ذلك الحلك البهيم بنيته وكسوته/ بعظام اسراك اعتصرت قلوبهم». بروحية استمدها من خلو المفردة الجارحة من طبيعة البشر، لادراك الحدث المهيمن في المكان المعتم، وبمؤشرات بلاغية اجتمعت معها الحواس، لتنصهر في بوتقة اللغة التي لجأ اليها» احمد المعتوق» ليوضح قدرة القصيدة في تجسيد استكمله بقوة التخييل المرافقة لدلالات المعنى في كلمات ترمز الى حيوان شديد الاذية والتقلب، وهو كائن اسطوري خرج من الحكايا وسيطر على العقول. وهو قادر على ترك الرعب في النفوس. فهل يجمع «احمد المعتوق» السريالية مع الواقع لتستوفي الصورة الشعرية مكانتها في حبكة ناتجة عن ملكة الخيال في استنباط الحقائق التي تجري حولنا؟.
صور بلاغية حسية، واخرى ذهنية شديدة التصور تؤدي دورها في تشكيل الفعل، وبرمزية تشمل كل الانماط للصورة الشعرية، سواء تعلق الامر بدينامية الفعل المشير الى الاحساس بالفاعل كونه النبع الاساسي للقصيدة او للتأثر بالنتائج التي يتأثر بها الانسان المرتبط بمعنى حكاية الغول الازرق الذي نسمع عنه ولا نراه. وندرك انه رمز الشر والقتل والحروب والويلات بكلية وجزئية تجمع الشكل المركب من الصور عبر اجزاء تتكاتف فيها التخيلات النابعة من التشكيل الشعري الذي مارسه الشاعر» احمد المعتوق في هذه القصيدة التي جمع فيها احداث الانسانية برمتها على مر الزمن ، معتبرا انها محنة الانسان الذي يصدق ما لا يراه، فيصبح اسير الوهم وسجين اسطورة والمتأثربالخيال الذي يصبح حقيقة. والمعاناة تجر الويلات ليصبح الانسان تحت سيطرة القوة الشريرة الغير مرئية في العالم «وعثوت واحتقنت جرارك، لم تعد تروى/غليلك يستغيث ونارك الحرى تغيث/لتستحيل حجارة السجيل في دمك امتهانا للبرية/محنة الانسان في أزل من التاريخ/ في وله تراكم فوق أكتاف السنين».