بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 نيسان 2018 12:04ص حشد نوعي في إفتتاح مؤتمر «فكر 16» في دبي

الشيخ محمّد بن راشد: الإستقرار صناعة وجهد وعمل مستمر وتنمية دائمة وتطوَّر لا يتوقَّف

الشيخ محمّد بن راشد والأمير خالد الفيصل في مقدّمة حضور حفل افتتاح المؤتمر الشيخ محمّد بن راشد والأمير خالد الفيصل في مقدّمة حضور حفل افتتاح المؤتمر
حجم الخط

 الأمير خالد الفيصل: كفانا سباتاً وانتظاراً { السنيورة: يمكننا التأثير في مواجهة وقف العنف

دبي - «اللـواء»:
انطلقت أعمال مؤتمر «فكر» السنوي الذي تنظّمه مؤسّسة الفكر العربي في دورته السادسة عشرة في دبي، تحت عنوان «تداعيات الفوضى وتحدّيات صناعة الاستقرار»، بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
الشيخ محمد بن راشد
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «المؤتمر يناقش «صناعة الاستقرار».. والاستقرار صناعة وجهد وعمل مستمر وتنمية دائمة وتطور لا يتوقف.. الاستقرار هو حركة دائمة لصنع الحياة.. وهو بحث مستمر عن مستقبل أفضل لمجتمعاتنا».
وأضاف: «سعداء بهذا الجمع الكبير من المفكرين والقادة.. ورسالتنا لهم توظيف علمهم ومعارفهم وجهودهم في تنمية مجتمعاتنا واستئناف حضارتنا العربية»، مؤكدا أن «التغيير يحتاج منا توحيد كافة الجهود، كل في مجاله، بما يخدم مستقبل أمتنا ويعمل على تحقيق استقرار وازدهار مستدامين».
وتابع حاكم دبي الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «فكر 16»، الذي حضرهُ الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي، والشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وشارك فيه أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي. 
الأمير خالد الفيصل
وألقى الأمير خالد الفيصل كلمة تقدّم فيها بإسم أمناء مؤسّسة الفكر العربي بأسمى آيات التهاني والتبريكات والامتنان لدولة الإمارات العربية المتّحدة، وخصّ بالشكر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على حسن الاستقبال وكرم الضيافة في مدينة الإبداع دبي.
 ثم ألقى قصيدة قال فيها:
تثاءَب العرب... واستيقظ الشغب
وتداعت الأَغراب... واستفحل الإرهاب 
وتوارت الأمانة... واستعرت الخيانة 
وتوحّش الزمان... واستسلم الإنسان 
وعالمٌ ... لامتلاك الدنيا .. يُسابق الزمان
وعَربٌ ... تحاول الاحتفاظ بوطن
هناك إبهارٌ ... وهنا غبار
ليلٌ هنا ... وهناكَ نهار
تشتّت الفكر ... وتاهت الأبصار 
وقُتل العربُ ... وهُدمت الديار 
وهُجّر الرجال ... والنساء والصّغار 
ولأجل ماذا ... كلّ هذا؟
لتحلّ فرسٌ ورومٌ وعار
وتعمّ فوضى ودمار 
وتكون القدس خيار
ثمّ قيل ... إنّه الواقع العربيّ
أيّها الواقع العربيّ ... أفِقْ 
كفاكَ سباتاً وكفانا انتظار 
ولن نقبلَ بعد اليومِ اعتذار 
فما زالَ لنا عقلٌ وفِكر
وكفاحٌ ومَسار.
أبو الغيط
من جانبه، طرح أحمد أبو الغيط خمس نقاط تُمثّل تحدّيات تفرضُ على العرب التفكير فيها والتعامل معها. وتتمثّل النقطة الأولى في ردّة فعلٍ عنيفة إزاء ظاهرة العولمة من جانب قطاعات واسعة من مواطني الغرب.
 وتتمثل النقطة الثانية بحسب أبو الغيط في أنّنا نقف على أعتاب ثورة تكنولوجية رابعة ضخمة سيكون من شأنها أن تُغيّر الكثير من القواعد الراسخة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وسأل أين العرب من هذه الثورة؟
أما النقطة الثالثة، فتتجسّد في تقويض الثقة في المؤسّسات القائمة السياسية منها والدينية والاجتماعية والثقافية.
وركّز أبو الغيط في النقطة الرابعة على أهمّية الانفتاح من قبل المؤسّسات العربية، سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية، على تجاربِ الآخرين، والتعلّم منها والتفاعل معها. وشدد في النقطة الخامسة والأخيرة على ضرورة إصلاح نُظمنا التعليمية، وتجديد مفاهيمنا الدينية، وتطوير رؤيتنا الثقافية، وهي عناصر أساسية للعلاج الناجع لجرثومة الفوضى التي تتغذّى على الركود والتكلّس، فالإصلاح والتغيير مطلوبان من أجل صيانة الاستقرار.
د. هنري العويط
وتحدّث المدير العام لمؤسّسة الفكر العربي البروفسور هنري العَويط عن الظروف التي ينعقد فيها المؤتمر في لحظةٍ تاريخيّةٍ عصيبةٍ ومصيريّة، والتي لم تعرف مثيلاً لها في الحدّةِ والخطورة، منذ أمدٍ بعيد. 
وأشار العَويط إلى أنّ العنوان الذي تمّ اختياره للمؤتمر يُعبّر عن هذا النهج وهذه التوجّهات، وقد تعمّدنا الإشارة في شِقّه الأوّل، إلى واقعنا المأساويِّ المرير، ولكنّنا أبرزنا، في شِقّه الثاني، ما يتّسمُ به مؤتمرُنا من بُعدٍ استشرافيّ، وذلك للإلحاح على ضرورة الخروجِ من نَفَق الفوضى المُظلمِ إلى رِحابِ الاستقرار، وللتشديد على ما يرتّبه علينا تحقيق هذا الاستقرار من مسؤوليّاتٍ وأعباء.
وأكّد أنّ اختيار دولةِ الإمارات لاستضافة المؤتمر، يتناغمُ معَ رغبةِ المؤسّسة في مشاركةِ حكّامِها وأهليها إحياءَهم الذكرى المئويّةَ لميلادِ مؤسِّسها، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ولا يحتاجُ واحدُنا إلى كبيرِ عَناءٍ ليُدرك أنّه لم يكن بمقدورنا أن نختارَ مكاناً أفضلَ من دبي، لا لأنّها المنتدى المثاليّ للتلاقي والحوار فحسب، بل لنستلهمَ أيضاً من بصيرةِ محمد بن راشد الثاقبة، ورؤيته الطَموح، وقيادتِه الرشيدة، ومبادراتِه الخلّاقة، المبادئَ الأساسيّةَ لتحقيقِ الاستقرار الذي يدعو مؤتمرُنا إلى بنائِهِ وتوطيدهِ في مِنطقتنا العربية، ولنستخلص من تجربة إمارة دبي، الرائدةِ والنموذجية، الدليلَ الحيّ والقاطع على أنّ تغلّبَنا على الفوضى ليس حلماً مستحيلاً أو مجرّدَ وهم وسراب، وأنّ نجاحنا في صناعةِ الاستقرارِ يمكن أن يكون مُلكَ أيدينا، لأنّه رهن بوعينا، وتصميمنا، وتضافرِ جهودنا.
الأمير تركي
وشهد المؤتمر حضوراً رفيع المستوى من شخصيات قيادية وفكرية وأكاديمية ومسؤولين على مستوى الوطن العربي، من بينهم الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، الذي عقّب على الأوراق التي قدّمها المتحدّثون، فأكّد أنّ غياب الرؤى والتوجّهات الاستراتيجية عند القوى الدولية كافّة، حول متطلبات السلم والأمن الدولييْن، مسؤول عمّا يعيشه العالم من توتر واحتقان وعدم يقين، كما أنّ السياسات الدولية المتخبّطة للدول القائدة في المنظومة الدولية، مسؤولة عن كثير مما يجري في العالم وفي منطقتنا. 
وإذ رأى أنّ ميزان القوى العالمي تغيّر وتغيّرت معه موازين القوى الإقليمية، ودخلت منطقتنا في فراغ استراتيجي أظهر طبيعة التحدّيات التي تواجه دُولنا العربية داخلياً وخارجياً، أكّد أنّ الصراع العربي الإسرائيلي هو الصراع المحوري في المنطقة، وهو بؤرة عدم استقرارها منذ بدايته حتى اليوم.
وتحدّث الفيصل عن المصادر الرئيسة التي تتسبّب في عدم الاستقرار الحالي في المنطقة، والدور الإيراني ما بعد ثورة 1979، سواء أكان ذلك في سعي إيران للهيمنة السياسية أم في تدخّلاتها في شؤون دولنا ونشر أفكارها الطائفية ومحاولة تصديرها إلينا ودعمها الإرهاب الطائفي، أم من خلال سعيها الحثيث إلى امتلاك مصادر القوّة غير التقليدية، أم في غموض نواياها وخططها، أم في احتلالها لجزرنا الإماراتية، لافتاً إلى غموض بعض القوى الدولية في احتواء هذا الخطر، مؤكّداً أنّها لا تفهم ولا تستوعب إحساسنا بهذا الخطر الداهم، فالدول الأوروبية والصين وروسيا في مواقفها الغامضة تجاه الدور الإيراني في المنطقة، تُشجّع إيران على الاستمرار في سياساتها العدوانية.
قرقاش
أما وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش فشدّد على أن الاستقرار هو مطلب أساسي وسط الفوضى والعنف والتفكيك، وما تعرّضت له العديد من الدول العربيّة، معتبراً أن فقدان الاستقرار هو فوضى عارمة، ومستعرضاً التجارب التاريخية والتنموية المختلفة لـ 22 دولة عربية، وتباين النجاح بين تجربة وأخرى.
كما تحدّث قرقاش عن تجربة الدولة الوطنية الناجحة التي تعيشها الإمارات، ليخلص في حديثه بوجود تجارب عربية مأزومة، وفي المقابل سنجد بموازاتها تجارب عربية واعدة. وتناول عدداً من المحاور في ما يخصّ استقرار العالم العربي، مؤكّداً ضرورة حمايته وتحديثه، في ظلّ ما شهدناه خلال العقدين الماضيين، حيث أصبحت بلاد العرب مشاعاً للتدخّل والنفوذ الإقليمي، سواء أكان إيرانياً أو تركياً أو إسرائيلياً. ورأى أن الوهن الذي يعانيه النظام الإقليمي العربي يأتي في سياق تغيّرات في النظام الدولي بعد عامي 1989 و1990.
كما توقّف قرقاش عند ثلاثة مناهج بالنسبة إلى قضايا الاستقرار وعدمه، أوّلها المحور الإيرانيّ في التوسع الطائفي وقيامها بدورٍ رئيس في عددٍ من الملفات العربية. والثاني هو المحور التركي الذي يساند الإخوان المسلمين وقطر، ويسعى من خلال خطابه الدينيّ إلى ممارسة سلطته في السيطرة على الشعوب، والثالث هو المحور الذي اختارته الإمارات، وهو محور عربي وسطي نرى أنّ أركانه الأساسية متواجدة في السعودية ومصر، وبصورة طبيعية في بلدان عربية أخرى، كالأردن والمغرب وغيرهما، ونريده أن يتوسّع ليكون هناك خيارٌ عربي بديل عن الخيارات الإقليمية التي نراها ونشهدها حاليّاً وتعود لغياب الاستقرار.
السنيورة
وخلال مشاركته في المؤتمر، أكد رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة أن «بعض الدول العربية الكبرى، ولا سيما تلك التي تتمتع بالاستقرار والقدرة على الحركة وصناعة القرار الوطني والقومي، قادرة، بالتضامن والتعاون والتكامل الأمني والاقتصادي فيما بينها على المبادرة إلى وضع الخطط ذات الأبعاد الاستراتيجية المستندة الى نظام المصلحة العربية وتعزيزها، والحريصة على بناء وتعزيز الأمن القومي العربي بما يمكنها أن تؤثر إذا أجمعت في ما بينها على أمرين اثنين أساسيين: الأول في مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية المضطربة أو المهددة بالاضطراب مثل سورية وليبيا واليمن والصومال ولبنان. والأمر الثاني، العمل في الدواخل المضطربة من أجل التوصل إلى وقف النار وإلى وقف العنف، وإجراء المصالحات، والتمهيد لإعداد دساتير جديدة، والمساعدة على إجراء انتخابات ديمقراطية، والإسهام في إعادة بناء الجيوش الوطنية والقوى الأمنية الأخرى».
وشدّد على أنّ «الدول العربية المشرقية الأكثر مسؤولية هي المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية بكونهما الدولتين العربيتين الأكبر، وكذلك دول مثل الكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة الأردنية الهاشمية وكذلك أيضا المغرب في المغرب العربي. ولكل منها علاقات مقبولة إلى جيدة مع الأطراف الكبرى المتناحرة أو المتنافسة على المنطقة بما يمكنها من اكتساب ثقة الأطراف المتباينة والعمل معها من أجل الاستماع إلى صوت العقل، وكذلك التعقل والإدراك العميق للمصلحة المشتركة في الحاضر والمستقبل. ثم إن لكل من هذه الدول مصالح قوية جدا في تعزيز الاستقرار في الدول المضطربة القريبة منها، وذلك لما للعالم كله من مصالح مهمة في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط».
وأشار إلى أنّ «صناعة الاستقرار أهم موضوعات الساعة في العالم العربي. وقد مر علينا عقدان هائلان، وصلت أمراضهما إلى عظام الجسد العربي. لكننا يجب أن لا ننسى أو نتناسى أننا أمة من أربعمائة مليون عربي الغالبية فيها هم ما دون الثلاثين من العمر، والمسؤولية تقتضي عدم اليأس، والإقبال على توليد الفرص من رحم المآزق والمشكلات. السبيل الوحيد، وهو بنظري السبيل الصحيح، هو في عدم الاستكانة وعدم اليأس وعدم القبول بانكسار إرادتنا ولا انكسار إرادة الأمة، أو القبول بالتحول إلى السلبية والعنف القاتل».
الجلسات
ويستضيف المؤتمر ثلاث جلسات عامّة تتناول «دور القوى الدولية»، و»دور المنظّمات الإقليمية والدولية في صناعة الاستقرار»، و»سبل صناعة الاستقرار». كما تُعقد مجموعتان من الجلسات المتخصّصة المتزامنة تتمحور الأولى حول «الفوضى: جذورها وأسبابها ومظاهرها ونتائجها»، والثانية حول «صناعة الاستقرار: مساهمات القطاعات المؤثّرة». وفي اليوم الأخير تُعقد ندوة حول أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار في الدول العربية، وإسهامها في التنمية الشاملة والمستدامة وصناعة الاستقرار. ويُختتم المؤتمر بجلسة تحت عنوان: «نحو إنسان عربي جديد».
يُذكر أنّ المؤتمر يشهد مشاركة أكثر من 600 من كبار الشخصيات، ونخبة من صنّاع القرار والمسؤولين والمفكّرين والمثقّفين والباحثين والخبراء وممثلين عن الاتحادات والمنظمات الدولية والمجالس الوزارية ومراكز الدراسات والأبحاث والهيئات الإعلامية والشباب العربي.
ويسعى المؤتمر إلى توفير فرصة استراتيجيّة للمشاركين من أجل التحاور والتبادل العميق للأفكار والخبرات، في محاولة للتصدّي للتحدّيات الراهنة التي تواجه الوطن العربي، وكذلك لبحث السياسات البنّاءة اللازمة لإيجاد الحلول ورسم خطّة عمل مستقبليّة، تُسهم في بناء الاستقرار في المجتمعات.