بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 تموز 2018 12:16ص د. عبد المجيد زراقط لـ «اللـــــواء»: عانيت الكثير من محاولات الإقصاء والإلغاء

حجم الخط
عبد المجيد زراقط باحث وناقد وروائي وقاصّ وأكاديمي جامعي سابق، في العام ١٩٨٣ كانت له أول دراسة منشورة «الشعر الأموي بين الفن والسلطان» ومنذ ذلك الوقت توالت إنتاجاته الأدبية حتى بلغت أربعين مؤلفاً: إحدى وعشرين دراسة، أربع مجموعات قصصية، روايتين وثلاثة عشر كتاباً للأطفال. في مؤلفاته المتنوعة يحمل عبد المجيد زراقط هواجس عديدة، همه الوطني والمعرفي والثقافي والاجتماعي، يمكنك أن تلحظ وأنت تتنقل بين كتبه ذلك الإنتماء العميق الى النهضة الفكرية والأدبية والنقدية التي ميّزته وصنّفته أحد رواد الإبداع الأدبي العربي. نال جائزة الشيخة فاطمة لقصة الطفل العربي عن مؤلفه «عيد النصر» وجائزة إتحاد الكتّاب اللبنانيين عن مؤلفه «ذات عصر»، إلتقيناه وكان لنا معه حوار عن حياته، إنجازاته ومؤلفاته وآخر إصداراته «تعب»:

{ فلتكن بداية حديثنا عن سيرة عبد المجيد زراقط باحثاً، أديباً، كاتباً، ناقداً، وروائياً كيف تستعيد أجواء البدايات وكيف تقدّم للقارىء إنتاجك الأدبي الذي تجاوز الأربعين مؤلفاً؟
- لا يختار المرء أن يكون أديبا»، وانما يُختار. أذكر أني كنت، منذ ختمت القراَن الكريم، في كتَّاب قريتي، أقرأ كل ما تقع عليه يدي، وكنت، في صغري، أقرأ أدعية وقصصاً لجدِّي في ليالي القرية الطويلة. أما الكتابة، فأذكر أني بدأت أكتب وأنا في المرحلة المتوسطة. كنت أكتب قصصاً ومقالات، وأذكر أنِّي كنت أعدّ مجلة بخطِّ اليد في قريتي. ثم، ونتيجة عملي في الصحافة الثقافية والجامعة، غلبت كتابة المقالة والبحث على إنتاجي، فقُمع الأديب لديَّ، ولكنه بقي يغتنم الفرص بين وقت واَخر ليطل بانتاج يحرص فيه على أن يتخلّص من تأثير منهجية الناقد المحترف، وهكذا تنوَّع انتاجي بين قصة قصيرة ورواية وأبحاث وأدب أطفال.
{ إنتاجك الأخير «تعب» هو مجموعة قصص، لماذا «تعب»، على ماذا تركّز فيه وما هو مرجعك لكتابة هذه القصص، ما هي المؤثرات الأساسية في خيالك؟
- مجموعتي القصصية الأخيرة «تعب» ترى الى الواقع المعيش، وتتبيَّن تعب الانسان، الملتزم بمنظومة قيم وطنية وانسانية، ويعمل من أجل تحقيق ذاته، لكنه يُقمع، ويتلقَّى باستمرار خطابا مفاده: كأنَّك لا تعيش في هذا العصر، ولا مكان لك بين ذئابه. المرجع الذي تصدر عنه القصص هو الحياة اليومية، تؤخذ المادة القصصية الأولية منها، وتُكتب قصَّةً تعادل المعيش وتغايره في اَن لترى اليه فنِّيا ، فتمثِّله وتكشف دلالته وتتخذ موقفاً منه.
{ تجربتك الإبداعية والنقديّة تسيران في خطين مستقيمين، كيف تجد العلاقة بين عبد المجيد زراقط كاتباً وناقداً، هل تجد أن الخطين متوازيان وهل يتداخلان في أماكن معينة، وكيف تلخّص للقارىء رؤيتك عن العلاقة بينهما بشكل عام؟ 
- الكتابة الابداعية حدْسيَّة، والكتابة النقدية ذهنيَّة، ومن يمارس هذين النَّوعين من الكتابة يواجه إشكالية تأثير أحدهما على الاَخر، وقلَّ من وُفِّق الى أن يكون مبدعاً كبيراً وناقداً كبيراً في اَن. أنا أحاول ألاَّ أكون ناقداً عندما أكتب النص الأدبي، وألَّا أكون أديباً عندما أكتب النقد. وكما قلت لك اَنفاً، فالناقد هو الذي تغلَّب على الأديب لديَّ لأسباب تعود الى طبيعة الحياة التي لاتتيح لمن يتفرَّغ للأدب أن ينتج مالياً مايتيح له أن يحيا حياة كريمة. وقديماً قيل عن الأديب الفقير: أدركته حرفة الأدب...
{ كيف جاء الباحث عبد المجيد زراقط إلى أدب الأطفال، كيف كانت طفولة عبد المجيد زراقط وهل شاركت طفولتك في إنتاجك لأدب الأطفال؟
- جئت الى أدب الأطفال من التجربة الحياتية، ففي ليالي القرية الطويلة كنت أحكي لابني حكايات أعرفها، ثم صرت أؤلِّف له حكايات كانت تلقى لديه قبولاً. وعندما هُجِّرت الى بيروت، بعد اجتياح العام ١٩٧٨، بدأت بنشر هذه الحكايات التي ألَّفتها، فلاقت اقبالاً، ما جعلني أواصل الكتابة في هذا المجال، وفي الكثير من المجلاَّت المختصَّة في أدب الأطفال، وأسهمت في تأسيس بعض منها، ثم أصدرت مجموعات قصصية وقصصاً طويلة، ويبدو أني وفِّقت في حل إشكالية الأديب/الناقد؛ إذ أني ما زلت ألقى ما يشجِّع على مواصلة الكتابة في الميدانين: الأدب والبحث.
{ مارس عبد المجيد زراقط صنوفاً من الأنواع الأدبية أين يستقرّ عبد المجيد زراقط أو أن يحب أن يكون وما هو حبّه الأول؟
- أنا أعمل بمنطوق الحديث الشريف: إذا قام أحدكم بعمل، فليتقنه. لذا أحاول أن أتقن أيَّ نوعٍ من الكتابة أمارسه. لكن، وكما قيل: وما الحبُّ الاَّ للحبيب الأوَّل، فإن الكتابة الأدبية: قصة ورواية وأدب أطفال هي التي أجد نفسي فيها.
{ حركتك الفكرية غزيرة ومتنوّعة، ما الذي يحتلّ داخلك ما هي المسوّغات التي تقودك الى الكتابة؟
- الكتابة في البحوث الجامعية، وفي الصحافة الثقافية، تلبِّي حاجة مهنية في الغالب. أما الكتابة الابداعية فتلبِّي حاجة ذاتية تمليها تجربة العيش، ففي كثير من الحالات أبقى في حالة « فقد شيء ما» لا يعوض الا بالكتابة، فيأتي النص كأنه يُملى عليّ.
{ هل لديك طقوس معيّنة للكتابة؟
- لا ليس من طقوس خاصة. أكتب عادة في الليل الا اذا كان من ضرورة الى انجاز بحث او مقال ما، فأكتب في أي وقت.
{ ماذا قدّمت ذاكرة جبل عامل وفي المقابل ذاكرة بيروت لإنتاج عبد المجبد زراقط؟
- قلت عدة مرات، أنا اكتب عما يسكنني لا عما أسكنه، ويبدو أني مازلت، على الرغم من اقامتي في بيروت منذ العام ١٩٧٨، منتمياً الى القرية، والى جبل عامل. لكن لاشك في أن بيروت قدّمت لي، وما زالت تقدّم الكثير، فالمدينة لاغنى عنها لأي كاتب.
{ نلت جائزتين بجدارة، جائزة الشيخة فاطمة لقصة الطفل العربي وجائزة من إتحاد الكتّاب اللبنانيين، هل ترى أن الجوائز الأدبية حالياً قد تخضع لمنظومة العلاقات الشخصية والمصالح المشتركة؟
- الجوائز الأدبية مهمة، من حيث تقدير الكاتب وتكريمه، إضافة الى قيمتها المالية، كما أنها تمثل حافزاً يشجع على إنتاج الأدب وتجويده، لكن الواقع يفيد، وكما أعرف من تجارب شخصية، أن العلاقات، بمختلف أنواعها، هي التي تتحكَّم في منحها. ففي تجربة لي، وكنت عضواً في تحكيم إحدى الجوائز، قرَّر عدة زملاء أن تُعطى الجائزة لأحدهم، قبل أن نقرأ الروايات، وهذا يحدث في غير جائزة.
{ تقول في كتابك «الإبداع الأدبي العربي»: «طائر الشعر مقيم يتغيّر فضاؤه ولا يهاجر»، ماذا يقول عبد المجيد زراقط عن المراحل التي مرّ بها الشعر في القرن العشرين تحديداً وما هي القواعد التي يضعها لتصنيف النصوص المقدّمة للقارىء كنصوص شعرية؟
- قيل: إن هذا الزمن هو زمن الرواية، وإن الشعر في طريقه الى الانقراض. أنا أرى أن هذا الكلام صحيح من حيث غزارة الانتاج الروائي، وغير صحيح من حيث انقراض الشعر؛ ذلك أن الشعر نوع أدبي يبقى مرافقاً للانسان ما دام يعيش الوجد، بهذا المعنى هو طائر مقيم لا يهاجر. أما طريقتي في نقد الشعر فهي طريقة ناقد منهجي محترف، فأنا أستخدم المنهج الذي يحقق الهدف الذي أريد تحقيقه، فدراستي منهجية تنطلق من النص نفسه لتصفه بوصفه دالاًّ، من نحو أول، ثم تتبيّن سر المدلول من نحو ثان.
{ بوصفك ناقداً وروائياً وقاصّاً في آن واحد، من أثّر في عبد المجيد زراقط من أصحاب التجارب الروائية والقصصية وما هي نظرتك للرواية العربية المعاصرة؟
- أفدت، في امتلاك المناهج النقدية، من التراثين النقديين: العربي والغربي، وعملت على اكتساب المعرفة النقدية الغربية الحديثة وتوظيفها في نقد النص الأدبي العربي، بوصفها اجراءات، في الغالب، تُستخدم في تحصيل معرفة بالنص، على أن يكون النص هو المنطلق. أما في كتابة النص الأدبي، فليس من شك في أني أفدت من انتاج كبار الكتاب العرب والغربيين، والأسماء كثيرة، والافادة تقتصر على ما يشكِّل التجربة وليس على مايشكِّل النَّص، فالنَّص الذي أكتبه هو وليد التجربة الذاتية الخاصة، فهي التي تمليه.
{ ما الذي عانيته من الوسط الثقافي في لبنان والعالم العربي؟
- عانيت الكثير من محاولات الاقصاء والإلغاء، لأسباب متنوعة، ولا داعي للتفصيل في هذا الشأن. والمهم أني لم أتوقف عن السعي الى تحقيق ذاتي، وكنت دائماً، وما زلت، مقتنعاً بأن من يتَّق الله، سبحانه وتعالى، يجعل له مخرجاً.

حاورته: دارين حوماني