بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 أيار 2018 12:00ص رحيل مي عريضة.. أيقونة مهرجانات بعلبك

الرئيس الحريري: صنعت مجداً للبنان يعانق أعمدة بعلبك

حجم الخط

 خوري: عملت على إبراز وجه لبنان  الحضاري والثقافي

توفيت الرئيسة الفخرية لمهرجانات بعلبك الدولية «مي عريضة» عن عمر يناهز 92 عاماً، صباح أمس الأحد.
ومي عريضة (اسمها مي الخوري سعادة)، ولدت في العام 1926 في بيروت، من أب وأم لبنانيين (حبيب الخوري سعادة، وماري صعب الخوري سعادة) وتولّت منصب رئيسة مهرجانات بعلبك الدولية منذ العام 1973 الى أن تسلّمت مركز رئيسة الشرف لاحقاً، لتستقيل منذ قرابة السنتين حيث عُيّنت مكانها السيدة نايلة دوفريج.
وتعتبر الراحلة مي عريضة أيقونة مهرجانات بعلبك ورئيستها الفخرية وصاحبة السيرة الغنية والمشوقة في تاريخ الثقافة الفنية اللبنانية، وكان أصدر عنها المخرج نبيل الأظن كتاب «مي عريضة حلم بعلبك»، يظهر فيه كيف عاشت حياة ثرية بين لبنان والعالم، سواء الطفولة المغناج أو المراهقة الشقية التي قضتها مع شقيقها رينيه بين التزلّج والسباحة (استمرت من العام 1953 وحتى 1961 رئيسة للاتحاد اللبناني للتزلج على الماء)، وصولاً إلى قصر سرسق وزواجها من إبراهيم سرسق. والسر الذي لا يعرفه كثيرون أن «مي» عملت مديرةً لمكتب الجنرال سبيرز في بيروت وسكرتيرته الخاصة، والسر الأكبر انها سافرت الى مصر والتقت الملك فاروق الذي دعاها إلى الرقص معه قبل أن تهرب منه هي وزوجها إلى بيروت إثر اكتشافهما رغبته فيها...
وتذكر مي عريضة كيف تحوّلت إلى سفيرة لكريستيان ديور في نيويورك يوم زارت المدينة برفقة النجمين السينمائيين بربارا ستانويك، وروبرت تايلور. التقط المصوّرون يومذاك صوراً لها وهي ترتدي ثوباً من تصميم ديور، ونُشرت هذه الصور في الجرائد، وكانت بمثابة إطلاق موضة «نيو لوك».
 أمضت مي مع زوجها عشرين يوماً في نيويورك، ثم انتقلت إلى لندن حيث حلّت في ضيافة الرئيس كميل شمعون وزوجته زلفا لأسباب طارئة، وتابعت هناك أهم النشاطات الموسيقية والمسرحية، وافتتنت بمارغوت فونتاين، (بعد ثمان وعشرين سنة، استقبلتها في بعلبك حيث لعبت المسرحية نفسها مع نجم صاعد يُدعى رودولف نورييف).
 قال لها كميل شمعون: «لو ساعدني الله، ولو وصلت الى الحكم، سأعمل شيئاً من أجل قلعة بعلبك». وبقيت هذه الكلمات محفورة في ذاكرتها. في صيف 1955، مرّت «فرقة الكوميديا الفرنسية» في لبنان، وقدمت على مسرح باخوس أربع مسرحيات كبيرة وفتحت هذه العروض الباب أمام تحقيق حلم بعلبك. 
وفى الرئيس شمعون بوعده، وشكّل لجنة بعلبك، وضمّت هذه اللجنة ايليا أبو جودة، كميل أبو صوان، نينا جيديجيان، جان فتال، سليم حيدر، خليل هبري، جان سكاف، فؤاد صروف، وعيّنت إيميه كتانة رئيسة لها، واختيرت سلوى السعيد مسؤولة عن النشاط المسرحي، وعُهد إلى مي عريضة كل ما يختص بالحفلات الموسيقية.
تروي مَيّ عريضة مطالع المهرجان: نحن سنة 1957، إِيغور مُويـيـسِّـيـيڤ في لبنان، تطلب إِليه اللبنانيةُ الأُولى زلفا شمعون تدريبَ مدرّبين على الرقص فكان مروان وبديعة جرار، ثم تطلب إِلى عاصي ومنصور الرحباني تحضيرَ مسرحيةٍ غنائية وقَّعَت لها فيروز على عَقْدٍ بليرةٍ لبنانيةٍ واحدة تخفيفاً لمصاريف اللجنة فكانت «إِيّام الحصاد» لَيلتَين (31 آب و1 أَيلول 1957) بأَلحان الأَخَوَين رحباني وفيلمون وهبي وزكي ناصيف، وإِخراج صبري الشريف، وكوريغرافيا مروان ووديعة جرار، وتوفيق الباشا لقيادة الأُوركسترا، ومحمد شامل ومحيي الدين سلام للإِدارة، ودهشة الجمهور من عتمةٍ كاملةٍ على أَدراج هيكل جوﭘـيتر ثم شَعَّ نورٌ من أَسفل الأَعمدة أَطلَّت منه فيروز كما من فراغ الليل تُنْشد «لبنان... يا أَخضر حلُو عَ تلال»، وكان تصفيقٌ طويلٌ من جمهورٍ موشَّحٍ بدموع المشهد الرائع تَبِعَتْهُ أُغنية زكي ناصيف «طَلُّو حبابنا» ورقصة «هيك مشق الزعرورة» وغناء نصري شمس الدين.
وتوالَت بعدها إِلى هياكل بعلبك الاعمال الابداعية: لويس آراغون، جان كوكتو، إِيلاّ فيتزجيرالد، ﭘلاسيدو دومنغو، أُمّ كُلثُوم، فرَانْك سيناترا، هربرت ﭬـون كارايان، شارل مونش، ماتيسلاڤ روستروﭘوﭬـيتش، موريس بيجار، إِيغور مويـيسِّـييڤ، مارغو فونتين، جان لوي بارو، جنـﭭياڤ ﭘاج، مادلين رينو...
وفي السنوات الأخيرة توالت تكريماتها، في وقت أصبحت مهرجانات بعلبك اشبه بالنوستالجيا. وبرغم جهود لجنة المهرجانات، كان الحنين يبقى للحبيب الأول، أي أيام الستينات.
وقد نعى رئيس الحكومة سعد الحريري السيدة مي عريضة عبر حسابه الرسمي على «تويتر» فقال: «مي عريضة سيدة صنعت مجداً للبنان يعانق أعمدة بعلبك. مي عريضة رحلت وفي خزنتها مهرجانات فرحٍ وانفتاح وثقافة ستبقى علامة فارقة في تاريخ السياحة اللبنانية. أحر التعازي لعائلتها ولكل من تعنيه القيمة الوطنية لمهرجانات بعلبك».
كما نعى الراحلة، وزير الثقافة غطاس الخوري: «برحيل السيدة مي عريضة يفقد لبنان شخصية نسائية رائدة عملت على إبراز وجه لبنان الحضاري والثقافي وحفظ مكانة له على خارطة المهرجانات الدولية، ولا يمكن ذكر مهرجانات بعلبك الا ويكون اسم السيدة عريضة حاضرا في بالنا».
وختم: «نتقدم من عائلة الراحلة ومن لجنة مهرجانات بعلبك رئيسة واعضاء، وجميع اللبنانيين بأحر التعازي».