بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تموز 2019 12:00ص «في السَّرد العربي.. شعريَّةً وقضايا» د. عبد المجيد زراقط والبحث عن تجديد روائي

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
غيرُ مُملٍّ ما جاوزَ فيه البروفسور عبد المجيد زراقط بنائيات السّرد العربيّ إنطلاقاً من لبنان، إلى آفاق مُحدَثَة من محاور المعالجة النّقدية لروايات العقد الأول من القرن الحالي.

 فهو إذ يُعنوِنُ كتابه كما يأتي: «في السّرد العربي... شعريّةً وقضايا» الصادر حديثاً في طبعته الأولى عن دار الأمير في بيروت، فإنهُ يُثابرُ بعدَ تثمين غزارة النّتاج الروائي اللبناني للفترة عينها - الذي بلغ مئتي رواية تقريباً - على اختبار محاور أهم تلك الروايات بِفَحصِ مساماتها البِكْر، فيبحثُ شعريّة السّرد الروائي وقضاياه في نماذج وافية عدداً ورؤية، كخصائص لغوية تقوم عليها هوية النصّ الأدبية، من القصة القصيرة والقصيرة جداً والقصة الومضة أو الومضة القصصية وما اكتنفَها كلها من تفاصيل غنية بالأفكار البحثية، كأدب الرحلة، والأدب المقاوِم، والأدب النّسوي.

 إضافةً بالطبع الى الرواية المحلية والعربية، مُقرِّراً أنه بالرغم من انتشار كل تلك الأنواع السّردية اليوم فإنّ تاريخ الأدب العربي يحفلُ بما لا يُستهانُ بهِ من نتاجاتِ سردية بعضها متشابهٌ بين الماضي والحاضر، وفاتحاً الباب – رُبَّما عمداً أو عفواً – على إشكالية جدوى البحث عن تجديدٍ روائي هوَ موجود أصلاَ في تاريخ آداب اللغة العربية فكراً ورؤية، وإن لم يُكتشف جُلّه. ذلك أنّ الفرق كبير بين ما هو موجود غير مطروق، وما هو غير موجود أصلاً، وهي إشكالية وإنِ احتاجتْ إلى كبير جهدٍ استقصائي، ومشقّةٍ بحْثية، تبقى جديرةً بالخوض فيها. ولأنّ الطروحات النقدية سيرورة تاريخية مستمرة. 

يُتمّ الدكتور زراقط ما يتعلقُ به من مهمّة التأصيل النّقدي للرواية العربية، إرتكازاً إلى مشروعٍ مستنير في هذا الميدان من نتاجاته الغزيرة وإلى كتابيهِ السابقَين تحديداً: «في بناء الرواية اللبنانية» (1999)، «في الرواية وقضاياها» (2011) اللّذان رسمَ فيهما وبِهِما الخطّ البيانيّ لشِعريّة النّص، وشعريةِ لُغةِ القصّ الروائي كما يُسميها هُوَ، كمسألةٍ لم تُدرس سابقاً وعلى هذا المستوى في اتجاهاتها ورؤاها، بما يرفدُ المكتبة العربية بمنصّة نقديّة ثريّة تتَنكّبُ عن سبيلِ النَّثْرِ الإنشائي وتنسِلُ من رؤى علمية وعملية ملزِمات التنوير والتأطير لمجمل مسارات النقد السردي. ولا يختزلُ زراقط نتاجات الابداع الروائي في العشر سنوات تلك تعسُّفاً، إنما يوفيها حقّها منَ البحث، ويضيءُ عليها ومنها، مستهلّاً بملامحِ السّرد الروائي اللبناني، حيث تمَّ التأسّيسُ المُمنهج لمستويات تلك الملامح في المنطلقات والاتجاهات أو الرؤى، وتصنيفها إلى ستة عشر عنواناً يشكّلُ كلٌّ منها بِنية روائية ذات صفاتٍ وأسسٍ محددة تختصرُ المُعطى أو سؤال العالم الروائي للكاتب كالقهر والظلم والتحرّر، أو اليوميات المتداخلة في سردها الحكائي، أو الحرب والغربة والتحوّلات السريعة في أحوال الشخصيات، أو القضية الفلسطينية.

وغيرها من الملامح التي خضعت كما يقول زراقط للتنوّع بين التقليد والتجديد والتجريب، لِيخلُصَ إلى إشهار أنَّ التجربة الحياتية المعيشية والأدبية على اختلافها المتألّق، هي منطلق البِنى الروائية اللبنانية في تلك الفترة. وعليه أوردَ نماذج روائية عديدة لدراسة شعريتها، عالجها تطبيقياً، موائماً بينها وبين خصوصية الاتجاهات النظرية والفكرية لكُتّابها: من جبران خليل جبران وتوفيق يوسف عواد وليلى بعلبكي وإميلي نصر الله إلى مي منسّى، إلهام منصور، لطيفة الحاج وليلى عسيران، هدى بركات، حنان الشيخ، جواد صيداوي، صبحي أيوب، فاتن المر وغيرهم ممّن عكفَ زراقط على تصنيفها وبحثها بتألّق وجديّة عبّرت عن الجدوى النقدية التي يرومها في كتابه، بعيداً من التأريخ والإحصاء، والتزاماً بتقديم آراء جديدة تنبشُ خصائص البِنيات السّردية لكل محورٍ على حِدة. وفي إطلالةٍ شاملة على كتابه الجديد وكصاحب مشروع نقدي روائي لم يتم النّهْلُ ولا الاستفادةُ الفكرية مما تبلورَ منه حتى اليوم كما يجب؛ أكاديمياً على الأقل؛ يبتعد الدكتور زراقط عن القفز فوراً في بحيرةِ السّمات أو تقنيّات أنماط الرواية المستوحاة من مسارات غربية، في ديناميكية تضخُّ دماً جديداً في المعطى النقدي وإنبعاثٍ جدليّ من التعارف والتثاقف الموضوعي بين التاريخ الروائي عالمياً ومحلياً ومِنْ ثمَ فَهم ما يلي ذلك من إمكانيّة تطوير الخطاب الروائي العربي وتفاعله الموازي للمؤثّرات الجديدة الوافدة، مع الاعتراف بالطّبع بما يجري توليفه منها لتطويعها عربيّاً حتى الآن في الضّفة المغاربية العربية.



حسام محيي الدين