بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

29 تشرين الثاني 2019 12:03ص سياحة لغوية!

حجم الخط
أذكر جيداً أن خطاب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الصغير الذي أعلن فيه انطلاق الحرب على العراق قد دام أقل من خمس دقائق! اللغة الإنكليزية عند الأميركيين تساعد على هذا الإيجاز والعملانية الفائقة. يكفي إتهام نظام دولة ما برعاية الإرهاب حتى تُشنّ عليها كل أنواع الحروب الممكنة، وأحدثها وأكثرها فعاليّة اليوم هي الحرب الاقتصادية. في المقابل، العربية عند الناطقين بها في زماننا تبعث على الضجر بل على القرف خصوصاً حينما تلاقي السياسة. 

سماع خطاب رسمي عربي أو قراءة بيان ختامي لمؤتمر كبير، يعكس بوضوح هذين الاحساسين. فجأة تشعر بانخفاض عظيم في تركيزك على الكلمات التي تبدو وكأنها تتدفق من ذاتها، كأن لا أحد ينطق بها. متى يترك شعبٌ ما اللغةَ تتكلم عنه؟ تُصبح الجمل والعبارات وهي تخرج من فمه، كأنها منحوتات صخرية أو كائنات محنّطة. ونصبح نحن المُنصتين لها، كأننا أمام سياحة لغوية! كل شيء من حولك قد يكون جميلاً أو ممتعاً إذا ما فكّرت في عظمة بنائه أو صموده أمام نوائب الدهر، لكن عبثاً تقف منتظرا أن يقول لك الحجر شيئا يفيدك. متى يقرر شعبٌ ما أن يختبئ خلف لغته لأنّه عاجز عن المجيء بها إلى حيث تكون أفعاله؟ يتركها لمجرّد الأقوال المطوّلة والمكررة والممّلة إلى أقصى حدود الملل. متى يتواطأ شعب على نفسه ويترك حبل لغته على غارب الفراغ أو يُخلي سبيلها في صحراء قاحلة؟ لغة أمست، كما نمارسها اليوم، بمخارجَ كثيرة، تهرب منها الحقيقة بدل أن تقيم فيها. 

لغة ليس بالضرورة معها أن يكون الشيء هو نفسه الشيء، ولا أن يكون الأبيض هو الأبيض ولا الأسود هو الأسود. لغة رمادية تماماً. متى تفرّ الحقيقة من بين أيدي الناس؟ ومتى يصبح كلامهم بيوتا مظلمة لا تدخلها الشمس؟ ومتى نبحث عن مرايا داخل اللغة فلا نجد سوى جدر صمّاء؟!

أخبار ذات صلة