بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

26 شباط 2021 12:00ص مديح الذات

حجم الخط
لا أفهم أبداً كيف يمكن لمديح الذات أن يكون كفاية شخص أو شعب أو أمّة من الوجود؟ كيف لهذا الداء أن يتغلغل في الأجساد والنفوس، فيشكّل فيها طبقة عازلة في وجه أي دواء أو علاج؟ أنظر حولي فلا أرى غير آلات للمديح تعمل ليلاً نهاراً بلا كلل ولا استراحة. 

الجميع تنتقل إليه هذه السلالة المرضيّة؛ الكبار يحملونها عن الأكبر منهم، والصغار يتتبّعون حبلها الوراثي الغليظ حتى هاوية الدم. المديح القاتل على غرار الهويّات القاتلة يودي بالجماعات إلى الانحلال خلف مرايا الذات المقعّرة. فأن تغرق في نشوة الزجاج الملوّن يعني أن تحبس الهواء في رئتيك وتمنع عن نفسك التنفّس الحقيقي. والموت هو انقطاع النفس. لا شيء فعلناه أو قلناه يستوجب علينا مديح الذات الدائم مهما كانت قيمة هذا الشيء أو فائدته. 

فعندما نجعل الماضي مطيّة لهذا الخطاب المرآوي أو تعلّة لرفع حاضرنا على أكف الوهم الخطر، فإنّنا نصادر على التاريخ بيد ونضيّع المستقبل بيد أخرى. ينبغي ألا نمدح ذواتنا فنطويها في الأغلال المختلفة بل أن نبسطها وننشرها كي نقف على ثنيّاتها والاعوجاجات القائمة فيها. 

أما الميزان في ذلك فهو، بعد الإيمان بالله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عند هذه المطالب العالية ليس ثمّة مكان ذاتيّ للمديح. إذ إنّ مثل هذه الخطوة سوف تكون ارتداداً عن جوهر الفعل الذي تضع فيه الذات نفسها موضع المحاسبة في كل لحظة وفي كل يوم. 

فهي لا تأمن الشرّ الذي قد يأتيها من الداخل، وهي ليست على مسافة واحدة من نفسها في مقابل ما تفرضه عليها المواقف الصعبة من تقديم وتأخير، ومن التفاف ودوران في بعض الأحيان، بحثاً عمّا يظل هو الحق في شخصه. فكل ذات مهما بلغت درجة احاطتها للواقع وللأحداث هي ذات مفتونة في صميم وجودها. فأيّ مديح هذا الذي يبرأ من الفتنة ولا يمدحها؟!     




أخبار ذات صلة