بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أخبار دولية

17 آب 2018 12:09ص «الأبعاد القومية وراء حب بوتين لليهود وإسرائيل»

حجم الخط
هذا هو العنوان المثير للمقال الأصلي الذي كتبه شارلز دانست حول طبيعة العلاقة التي تجمع بين تلك الأطراف. يفيد المقال في الإطلاع على أبعاد الدوافع القومية الروسية التي تحرك بوتين وسياساته. وفيما يلي مختصر لتلك المقالة كما ظهرت في إحدى الصحف الإلكترونية الصهيونية (التايمز أوف اسرائيل). الهدف من هذا العرض هو الإضاءة على بعض دوافع بوتين في علاقته مع مختلف الأطراف في المنطقة، وإدراك بعض الدوافع التي تحرك السياسة الروسية، بالإضافة إلى إظهار تنامي الدور الروسي خلال السنوات الأخيرة بخاصة في ظلال الأزمة السورية.
يقول دانست: «في حين أن السياسيين الأميركيين والمثقفين غاضبون من أداء الرئيس دونالد ترامب في اجتماعه الذي طال انتظاره هذا الأسبوع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد ضاعت - في الجلبة - لحظة صغيرة ولكنها حاسمة: لقد خرجت إسرائيل من هلسنكي بموقع الرابح.
إن دعم ترامب الثابت لإسرائيل - ربما نتيجة الحماس الإنجيلي، أو الحراك الإيديولوجي من ابنته وصهره اليهوديين - موثق جيداً. لكن دعم بوتين المستمر للدولة اليهودية أمر غير متوقع، لا سيما أنه يؤيد بشار الأسد. غير أن الأمر الأكثر إثارة هو الدافع وراء تواصل بوتين مع اليهود وهو قوميته المستعرة التي تتمثل في إعتقاده الراسخ بأن من واجبه الشخصي أن يجعل روسيا عظيمة مرة أخرى.
بذل بوتين جهودًا كبيرة للتواصل مع الجاليات اليهودية الروسية، سواء داخل حدود بلاده أو في إسرائيل. تذكر فيونا هيل مديرة الشؤون الأوروبية والروسية في مجلس الأمن القومي الأميركي أنه «بالنسبة لبوتين، يحب الحفاظ على الثقافة العرقية المتعددة في روسيا من أجل بقاء الدولة». إن قومية بوتين، خلافاً لسلفها السوفييتي، تدمج مجموعات الأقليات العرقية، و تدخلها في نسيج «القصة» التي تروي تاريخ روسيا ومستقبلها في محاولة لتوحيد الشعب الروسي واستعادة الإمبراطورية السابقة.
ففي اجتماع في أيلول 2010 مع وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، تحدث بوتين بسعادة عن إعادة «يهودنا» الذين هاجروا إلى إسرائيل. رفض بوتين فكرة أن المواطنين اليهود السابقين في الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي ربما لا يرغبون في العودة إلى روسيا في ضوء التمييز الذي تعرضوا له في فترات سابقة. 
يشير الحاخام بوروخ غورين، وهو شخصية بارزة في اتحاد الجماعات اليهودية في تشاباد التابع لروسيا، إلى أن تصور بوتين لروسيا، خلافاً للعهد السوفياتي، يشمل اليهود: «أعتقد أنّ لديه نوع من القومية (أو الوطنية) الروسية....إنه مهتم بالجالية اليهودية كمسألة فخر روسي».
بنفس السياق يقول مارفين كالب، أحد الباحثين في مؤسسة بروكينغ، «لقد تعاظم موقع روسيا في الشرق الأوسط الآن، فقد حقق بوتين ما لم يكن بوسع أي قيصر من قبله أن يحققه. في  موقع القوة الجديد هذا، يحاول بوتين أن يعمل كوسيط بين إسرائيل والعرب - وإيران. يتطلب هذا الأمر موازنة للمصالح، وحتى الآن قام بعمل جيد للغاية. بوتين هو قومي روسي بارد يقوم بالحسابات بشكل دقيق».
أدت حسابات بوتين منذ فترة طويلة إلى الانفتاح على إسرائيل. ففي أثناء زيارته لموسكو في عام 2000، تلقى السياسي الإسرائيلي - والمنشق السوفيتي السابق - ناتان شارانسكي دعوة من الكرملين إلى مأدبة غداء خاصة مع الرئيس الروسي. قال شارانسكي لصحيفة البوست: «قال بوتين إنه لم يكن الأمر سهلاً في الـ كي جي بي أن يكون المرء متعاطفاً مع اليهود، لكنه أخبرني كيف نشأ بجوار أسرة يهودية كانت بالنسبة له بمنزلة الأقارب. لقد أحبهم كثيراً».
يقول شارانسكي، وفقا لصحيفة واشنطن بوست «خلال الغذاء، أمضى بوتين الكثير من الوقت للتعبير عن تعاطفه مع إسرائيل ونفوره من معاداة السامية، بالإضافة إلى الأهمية التي يعلقها على اليهود في روسيا واليهود في الشتات». 
في عام 2005، زار بوتين الدولة اليهودية، واجتمع ليس فقط مع رئيس الوزراء آنذاك، أرييل شارون، بل أيضا مع مدرسته – في المدرسة الثانوية - الألمانية اليهودية المهاجرة، حيث أشترى لها شقة في تل أبيب. وفي عام 2012، دعا بوتين الرئيس الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز إلى موسكو في حفل تكريس المتحف اليهودي ومركز التسامح، أخبره «لن ننسى أبدا التضحيات التي قدمها الشعب اليهودي في الحرب ضد النازية، ولن ننسى المحرقة أبداً».
قبل ذلك ببضعة أشهر، سافر بوتين إلى إسرائيل للمشاركة في تكريس نصب تذكاري - نصب النصر في نتانيا - وشكر الجيش الأحمر. وخلال الزيارة وعد بوتين بأنه «لن يسمح لمليون روسي بأن يتعرضوا للتهديد»، في إشارة إلى السكان المهاجرين الناطقين بالروسية في إسرائيل. وفي موسكو، بعد أشهر، قام بوتين بتذكير بيريز بأنّه: «في الآونة الأخيرة، حضرنا نحن الاثنين في إسرائيل إزاحة الستار عن نصب تذكاري للجيش الأحمر، الذي قدم تضحيات هائلة من أجل نصرنا المشترك على النازية».
في إشارته إلى «نصر مشترك» بين الشعب اليهودي الذي كان يوما ما عديم الجنسية، وبين دولة لم تعد موجودة، يظهر بوتين استعدادا لإيجاد علاقة (علاقة غير تاريخية بالرغم من قوتها)، يرجح أن يرحب بها الإسرائيليون: علاقة دائمة وضرورية بين اليهود والشعب الروسي، توفر البقاء لكليهما على حد سواء.
كذلك التقى بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في روسيا وإسرائيل، سعياً وراء «انتصارات مشتركة» في المستقبل وتعزيز علاقة تكافلية حديثة. في شهر أيار (مايو)، سافر نتنياهو إلى موسكو، وشارك في مسيرة «يوم النصر» التي كانت في يوم ما من العهد السوفيتي، والآن أصبحت في العهد الروسي، احتفاء بانتصار السوفيات على النازية. يرى غورين أن مبادرات بوتين الدافئة نحو اليهود وإسرائيل هي موضع ترحيب، وكأي شيء آخر يفعله، تخدم رؤيته لروسيا. 
«هل بوتين جيد بالنسبة لليهود؟ بالنسبة للمجتمع المنظم دون أدنى شك»، قال الحاخام، «أما بالنسبة لليهود بصفتهم مواطنين عاديين، فهو جيد لأولئك الذين يعجبون به وسيئ لليهود في المعارضة. تماماً كما هو الأمر بالنسبة لبقية السكان».

ترجمة: د. يوسف صيداني بتصرف.