بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

23 كانون الثاني 2018 11:35ص العصر الرقمي وضمان الإستقرار العالمي

حجم الخط

نيودلهي- ينشر المنتدى الإقتصادي العالمي في كل عام تقريرا للمخاطر العالميه يستخلص فيها أراء الخبراء وصناع السياسات حول العالم وفي هذا العالم كان الأمن السيبراني على رأس المخاوف العالمية كما ينبغي أن يكون. لقد شهد العالم سنة 2017 تصعيدا مستمرا للهجمات السيبرانية والإختراقات الأمنية التي أثرت على جميع فئات المجتمع وليس هناك أي سبب يدعونا للإعتقاد بأن سنة 2018 ستكون سنة مختلفة.

إن تداعيات هذا الموضوع ستكون بعيدة المدى ولكن أقربها هو أنه يتوجب علينا التعامل مع إدارة الإنترنت بالإضافة الى الإنترنت نفسه والا سنضيع الفرص التي تمنحها التقنيات الرقمية وذلك في خضم سباق تسلح تنظيمي وقانوني مع وجود حدود وتوترات عالمية جديدة.

ولكن هناك قضية أشمل فعلى الرغم من كل السرعة التي نمضي من خلالها قدما لدخول العصر الرقمي فإن الجهود المبذولة لضمان إستقرار عالمي ما تزال متخلفة بمسافة كبيرة عن اللحاق بالركب ففي كثير من النواحي ما يزال عالمنا منظما على أساس إطار السيادة ضمن الحدود أي أن الدول التي تتمتع بحدود معترف بها (في معظم الحالات) هي أساس النظام العالمي وتفاعلات تلك الدول ورغبتها في تقاسم السيادة هو ما يحدد النظام العالمي الحالي.

لكن العولمة قد غيرت بشكل تدريجي الحقائق على الأرض وبينما كانت قوة العولمة في حالة مد وجزر منذ العقود التي سبقت الحرب العالمية الأولى، إلا أنها اليوم تعاني من التراجع بسبب التطورات الجيوسياسية والإندفاع من أجل إبطاء التغيير التقني ولكن بالرغم من كل ذلك فإن التحول الرقمي سوف يدفع بالعولمة للإمام وإن كان بشكل مختلف فالخاصية الرئيسية للإنترنت هو البناء غير المناطقي فعندما نفكك الحدود التقليدية فإن هذا يشكل تحديا مباشرا لأساس نظام السيادة.

إن هذا تطور إيجابي عميق لإنه يسهل من حرية التعبير وتبادل البضائع والأفكار عبر الحدود ولكن مثل كل الإختراعات البشرية فإن من الممكن إساءة إستخدام الإنترنت كما رأينا من خلال الزيادة في الجرائم السيبرانية والتحرش على الإنترنت وخطاب الكراهية والتحريض على العنف والتطرف على الإنترنت.

إن التقليل من تلك الإساءات خلال السنوات المقبلة سيتطلب تعاونا دوليا وثيقا من أجل التأسيس لقواعد مشتركة وتطبيقها فلا يوجد حل منعزل حيث لا يمكن لأي حكومة لوحدها التعامل مع المشكلة.

لقد نشأ مع الوقت خليط مرتبك من المنظمات من أجل أن تجمع معا المجتمع التقني وقطاع الأعمال والحكومات والمجتمع المدني. إن هيئة مثل هيئة تعاون الإنترنت للأسماء والأرقام المحدده وهيئة قوة مهام هندسة الإنترنت وإتحاد شبكة الإنترنت العالمية توفر حاليا الإدارة الفعلية للإنترنت ولكن الحوكمة على الإنترنت هي أكثر تعقيدا بكثير فالساحة المؤسساتية هي مزدحمة وغير مستقره.

إن هذه الساحة مزدحمة بسبب وجود العديد من الأطراف يتنافسون على تشكيل الإطار المعياري للفضاء السيبراني فالعديد من البلدان لديها وزارات متعدده مختصة من أجل تنظيم نشاط الإنترنت. إن المواقع الإلكترونية وخدمات الانترنت لديها تعليمات وبنود للخدمة تتباين بشكل كبير. إن مطوري القطاعين العام والخاص يحددون تصميم البنية التحتية المتغيرة للإنترنت كما أن مجموعات المجتمع المدني المختلفة تقترح مبادىء خاصة بها فيما يتعلق بالإنترنت بينما تحاول المنظمات الدوليه تطوير إتفاقيات متعددة الإطراف.

إن الساحة ما تزال غير مستقره وذلك نظرا لأن التعاون بين الحكومات قد تعطل بشكل كبير وذلك بسبب الأولويات المتعارضة للبلدان ومما يزيد الأمر سوءا أن المجال محدود جدا لأصحاب المصالح المختلفين من أجل التواصل وتصميم حلول عملياتية.

وفي غياب أطر يتم الإتفاق بشأنها بشكل متبادل فإن الحكومات عادة ما تتجه إلى تبني إجراءات أحادية قصيرة المدى – التوطين الإجباري للبيانات والقيود المبالغ فيها على المحتوى والمراقبه التطفلية – من أجل التعامل مع المخاوف الحالية أو كإستجابة للضغوطات السياسية المحلية وبعمل ذلك فإن الحكومات تزيد من التوترات العالمية عوضا عن تخفيفها.

إن الحوكمة الرقمية تؤثر على كل شيء وذلك من الأمن السيبراني إلى الإقتصاد وحقوق الإنسان والغموض المتعلق بالقوانين المطبقة في مناطق السلطات القضائية المختلفة تضعف تطبيقها جميعا مما يترك الجميع في وضع اسوأ كما أن الإجراءات المتخذة للتعامل مع بعد واحد يمكن أن تؤثر على الأبعاد الأخرى مما يعني أن قرارات متسرعة وغير منسقة فيما يتعلق بالسياسات يمكن أن يكون لها عواقب سلبية بشكل عام.

عندما تشرفت بترؤس المفوضية العالمية لحكومة الإنترنت سلط تقريرنا لسنة 2016 الضوء على تلك المخاطر ودعا " لميثاق إجتماعي جديد" من أجل ضمان أن إنترنت المستقبل سيكون متاحا للجميع وشاملا وآمنا ومحل للثقة.

إن التقدم الذي تم إحرازه منذ ذلك الوقت كان محدودا وذلك نظرا لإن الجهود في الأمم المتحدة من أجل تأسيس أحكام عالمية سيبرانية قد وصلت لطريق مسدود مما يعني أنه يتوجب إيجاد مبادرات بديلة للدفع قدما بهذه العملية.

لحسن الحظ فإن المفوضية العالمية لإستقرار الفضاء السيبراني قد أصدرت مؤخرا دعوة مهمه لحماية الجوهر العام للإنترنتعلما أن مؤتمر الإنترنت وسلطة الإختصاص القضائي القادم في أوتاوا سيكون بمثابة فرصة سانحة أخرى لصناع السياسات من أجل الإستمرار في العمل للتوصل لحلول.

إن مثل هذه الإجراءات التقنية والتشريعية تعتبر ضرورية من أجل تشكيل التحول العالمي من الحقبة الصناعية الى الحقبة الرقمية علما أنه من أجل تجنب سباق تسلح قانوني يتوجب على صناع السياسات تطوير مقاربة ذكية لمجموعة من القضايا الشائكة وذلك من أطر المساعدة المتبادلة المتعلقة بالتحقيقات إلى دور مديري أسماء النطاق ومزودي الخدمة في التعامل مع الخطاب المسيء على الإنترنت.

إن تحقيق التجانس في السياسات عبر مناطق الإختصاص القضائي يجب أن يكون على قمة الأولويات حيث أن عمل ذلك سيتطلب تواصل مباشر ومستدام بين جميع الأطراف المختصة وحينها فقط يمكننا التأسيس لإطار من أجل المحافظة على الطبيعة العابرة للحدود بالنسبة للإنترنت وحماية حقوق الإنسان ومحاربة الإساءه وإستدامة إقتصاد رقمي عالمي بحق.

وكما قال كوفي آنان سنة 2004: " من أجل إدارة وتشجيع وحماية وجود الإنترنت في حياتنا، لا يجب أن نكون أقل إبتكارا من أولئك الذين أخترعوه". إن سيادة الحدود قد أصبحت خلفنا والذي يأتي بعد ذلك متروك لنا.

المصدر:PS، موقع "اللواء"