بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

7 أيار 2019 09:37ص الهند وسياسات مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة

حجم الخط

نيوديلهي- بقيت بضع أسابيع على نهاية الانتخابات العامة الهندية، لذا أصبح من الضروري، مراجعة السؤال التالي: أي دور لعبت مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الانتخابات؟

وكانت الآراء السائدة تقول أنه عندما يتعلق الأمر بالهند، ينبغي علينا دائما أن نشك في تدخل مواقع التواصل الاجتماعي و تأثيرها السياسي. إذ في عام 2013، قبل عام من بدء الانتخابات العامة الأخيرة، أنجزت مؤسسة آي آر آي إس للمعرفة، وجمعية الهند للأنترنيت والهواتف المتنقلة، دراسة تظهر أنه في 160 دائرة انتخابية (من 543 في لوك سابها، المجلس الأدنى للبرلمان الهندي)، كان هامش النصر أصغر من عدد مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي، أو أن أكثر من 10% من الساكنة كانت تتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واستنتجت الدراسة أن 80 مليون هندي سيرتادون مواقع التواصل الاجتماعي مع بداية انتخابات 2014، وأكدت أن هذه المواقع بنوك للتصويت لا يمكن لأي سياسي تجاهلها.

وإذا كان هذا صحيحا، فهو أكثر صحة اليوم. إنني لم أر أي دراسة قابلة للمقارنة في الآونة الأخيرة، لكن الأرقام في ارتفاع منذ عام 2014. و لأن 625 مليون شخص في الهند يستعملون الأنترنيت ، وأكثر من 80% من رواد الشبكة العنكبوتية يستعملون الهواتف النقالة ، قد يتصفح 625 مليون شخص مواقع التواصل الاجتماعي خلال انتخابات 2019- وهو رقم أكبر ثمان مرات مقارنة مع 2014.

وفي نفس الوقت، رغم أنني كنت الرائد في موقع تويتر مقارنة مع غيري من رجال السياسة في الهند، أظن أنه لا يمكن الفوز بأي انتخابات هندية أو خسارتها في مواقع التواصل الاجتماعي وحدها. وبينما قد يكون ما يفوق ثلث ساكنة الهند بقليل، وما يفوق 40% من المصوتين فيها، يرتادون مواقع التواصل الاجتماعي، ليست هناك مصادر موثوقة تظهر مدى استعمالهم لهذه المواقع من أجل الاطلاع على الأخبار والآراء السياسية. فقد ينضَمُّون إلى أقسام الدردشة في تطبيق واتساب، أو يشاركون مقاطع فيديو لعطلة نهاية أسبوعهم عبر الفيسبوك، بدل مناقشة مميزات الأحزاب السياسية التي تتنافس في دوائرهم الانتخابية. ليس هناك بديل للمسيرات الحاشدة بعد، ولا للخطابات المكتوبة في زوايا الشوارع، وطَرق أبواب المنازل لحشد الدعم، والمصافحة بالأيادي في الأسواق التجارية وفي ملتقيات الطرق المكتظة.

وفيما يتعلق بالأرقام، ليس لدى تويتر، أكثر مواقع التواصل الاجتماعي اهتماما ب"السياسة"، سوى 30 مليون منخرط نشيط في الهند؛ وهو رقم ضعيف جدا مقارنة مع مستعملي فيسبوك وواتساب النشيطين، والذين تجاوز عددهم 240 مليون شخص لكل تطبيق. ونظرا للدوائر الانتخابية لما يقارب مليوني شخص لكل من التطبيقين، فتويتر لا يقدم الدعم الكافي للتعبئة السياسية. وخلافا للولايات المتحدة الأمريكية، لن تكون الهند بحاجة إلى تويتر لتنظيم مسيرات حاشدة، أو حتى عقد اجتماعات عامة ضخمة؛ لا يمكن أن يكون تويتر بديلا للحملة التقليدية.

ومع كل هذا، استعانت الأحزاب السياسية بمواقع التواصل الاجتماعي بصورة مكثفة هذا العام. وإلى جانب الاستعانة بها في إرسال الرسائل عبر نشرها على الانترنيت على نطاق واسع ، وبواسطة الإعلانات الرقمية، و عن طريق إعادة إرسالها عبر تطبيق الواتساب، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أداة لا يمكن أن يستغني عنها السياسيون، بسبب تأثيرها غير المباشر (لكونها مصدرا للقصص الإعلامية "السائدة". وهنا يبدأ المشكل.

ويعد تطبيق واتساب الوسيلة المفضلة، لأن 82% من مستعملي الهواتف النقالة في الهند حَمَّلوا التطبيق ، ولأنها تستهدف فئة معينة من الأشخاص. إذ يمكن لحزب سياسي معين أن يخلق مجموعات وفقا لاهتماماتهم وطبقاتهم الاجتماعية وهوياتهم الدينية، أو بناء على موضوع أو قضية معينة، وقصفهم برسائل لتعزيز انحيازهم، وإقناعهم أن الحزب يتعاطف معهم. ويعد حزب بهاراتيا جاناتا سيد هذا الأسلوب، حيث يدير ما يقدر بنصف مليون مجموعة عبر الواتساب في جميع أنحاء البلاد. و أعلن رئيس تكنولوجيا معلومات هذا الحزب، أميت مالفيا، في مارس/أذار أن "المنافسة في الانتخابات المقبلة ستجري في الهواتف النقالة.....وبطريقة ما، يمكنك القول أن الانتخابات ستجرى عبر تطبيق واتساب."

والمشكل، مع ذلك، هو أن استعمال مواقع التواصل الاجتماعي ليس دائما حميدا. إذ تنتشر معلومات مغلوطة بشأن مجموعات حزب بهاراتيا جاناتا، وتشمل هذه المعلومات قصصا مُختَلَقة ، نُسبت لقادة البرلمان ( بما فيهم أنا شخصيا )، وصورا مفبركة تظهر سلوكا خائنا لقادة المعارضة. إن "الأخبار الزائفة" موجودة لأنها صنعت لخدمة مصالح ناشريها. إذا، فالخطر يكمن في أن العديد من الأشخاص سيصوتون بناء على المعلومات المغلوطة. ويعتقد حزب بهاراتيا جاناتا أن كل شيء عادل في الحب، والحرب، والسياسة. لكن الديمقراطية الهندية أصبحت ضررا جانبيا.

وبعد إعلام إدارة تطبيق واتساب بأن خدماته تستعمل بصورة سياسية سيئة، اتخذت خطوات للحد من الأضرار، والحد من إعادة نشر الرسائل بحيث ترسل إلى خمس أشخاص فقط ، حتى تمنع انتشار الأكاذيب. وقررت أيضا منع أرقام اتهمتها لجنة الانتخابات الهندية بنشر "أخبار زائفة"، ولو أن هذا قد يعرقل، لكن لن يمنع، الأحزاب المتهمة، من أن تجد أرقاما بديلة بسرعة، وخلق مجموعات أخرى. ويتسلح حزب بهاراتيا جاناتا بالعديد من الأشخاص، بعضهم يتقاضى أجرا، وبعضهم يعمل متطوعا، ومهمتهم هي إشباع الشهية الشرهة لهؤلاء المجموعات المنخرطة في واتساب.

إن تخوفات الديمقراطيين لم تأت من فراغ: لقد قُتل أشخاص بسبب إشاعات نشرت عبر واتساب. والمُلفت للانتباه هو أنه عندما وقعت تفجيرات في سيريلانكا، كان أول رد فعل للحكومة هو إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي في البلد. لكن المخاطر تختلف عندما يتعلق الأمر بالرسائل السياسية: في الهند، عندما تكون للحكومة بذاتها مصلحة راسخة، فهي تفضل تجاهل مبالغة مناصريها. وخلال الانتخابات الحالية، بالكاد حصل تقدم في منع "الأخبار الزائفة"، وتوقيف من اختلقها، أو الحد من انتشارها.

إن مواقع التواصل الاجتماعي توفر مجموعة رائعة من وسائل الاتصال، التي تعد منبرا للتعبير عن الرأي العام بديمقراطية. لكن عندما تكون بين أيدي السياسيين العديمي الضمير، والذين يرونها وسيلة للهيمنة، قد تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي بذاتها على الديمقراطية. وبمجرد تصويتك لصالح الأشخاص الخطأ بناء على معلومات مغلوطة، لا يمكنك فعل شيء إزاء ذلك حتى الانتخابات اللاحقة. وهنا يكمن الخطر الذي تشكله مواقع التواصل الاجتماعي على الديمقراطية، وليس فقط الديمقراطية الهندية.

المصدر: PS، موقع "اللواء"