بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

2 تشرين الأول 2017 01:06م ترامب وصحته العقلية

حجم الخط

موسكو - لقد أصدر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون فى السبعينات تعليمات لوزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر بإقناع زعماء الدول الشيوعية المعادية بأنه قد يكون متقلب ولا يمكن توقع تصرفاته خاصة عندما يكون تحت الضغط وقد رأى كيسنجر الذي عرف بدهائه السياسي وخبرته في الواقعية السياسية إمكانية نجاح هذا النهج الذي نفذه بسهولة و من هنا ولدت "نظرية المجنون" الدبلوماسية.

كان نيكسون بعيدا عن الجنون على الرغم من افراطه في شرب الكحول في ذروة فضيحة ووترغيت السياسية مما دفع بكيسنجر و وزير الدفاع جيمس شليسنجر إلى وضع وسيلة لمراقبة سيطرته على الشيفره النووية و كان هدف نيكسون من التركيز على طبيعته المتقلبة المزعومة هو إثارة الخوف بين خصومه الأجانب مما يعني أن اغضابه أو الضغط عليه يمكن أن يؤدي الى ردة فعل غير عقلانية – حتى يمكن أن يرد عليهم بالسلاح النووي – و بالتالي إجبار خصومه على التحقق من سلوكهم.

واليوم مع قيادة دونالد ترامب للولايات المتحدة فإن عقيدة الرجل المجنون تظهر مرة اخرى وبقوة ولكن هذه المرة ليس من الواضح على الاطلاق ان ما يفعله ترامب هو على سبيل التمثيل وانه لن يقرر بالفعل في لحظة غضب أو احباط الهجوم على خصومه أو حتى إستخدام السلاح النووي ضدهم.

يجب أن يكون الدليل (أ) في جلسة الإستماع حول الصحة العقلية لترامب هو خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يشبه ثرثرة إيريس تارجريان المجنونة وهو "الملك المجنون" في المسلسل التلفزيوني " لعبة العروش" حيث أن ترامب أضاف لمسته الخاصة لمقولة تارغريان المشؤومة "لنحرقهم جميعا" و ذلك عندما هدد بأن الولايات المتحدة "ستدمر كليا" كوريا الشمالية إذا إستمرت في تطوير برنامجها النووي.

لقد هاجم ترامب أيضا بشده في الخطاب نفسه الإتفاق النووي مع إيران الذي تم التوصل اليه سنة 2015 وبينما كان ترامب يتحدث كان رئيس الموظفين لديه وهو الجنرال المتقاعد في المارينز جون كيلي الذي عين في يوليو من أجل إحلال النظام و نشر درجة من الإستقرار في معسكر ترامب في البيت الأبيض جالسا و رأسه في يديه وكأنه في حالة صدمة أو يأس.

إن من الممكن ان العديد من الأمريكيين قد فقدوا الشعور بالحساسية من خطب ترامب الغاضبة بعد أن تحملوا لشهور هجماته من خلال تويتر في أوقات متأخره من الليل على الصحافة وعلى معارضيه وعلى زملائه الجمهوريين وحتى على أعضاء حكومته مما يعني بأن ترامب الذي عادة لا يتحمل الانتقادات يمكن ان ينتقم اذا تم استفزازه أو اهانته.

ولكن على عكس العديد من تصريحات ترامب السابقة غير المترابطة فلقد قام بقراءة خطاب الأمم المتحدة من خلال جهاز تلقين مما يعني أنه قد تم التحقق من الخطاب قبل ان يقوم بقراءته. إن أولئك الذين يعتقدون أن "الكبار" في إدارة ترامب وهم كيلي و وزير الدفاع جيم ماتيس و مستشار الأمن القومي هربرت ريمون ماكماستر سوف يعملون على بقاء إستراتيجية الأمن الأمريكية في حدود العقل والمنطق بحاجه لاعادة التفكير بذلك.

و لعل الجزء الأكثر جنونا من ذلك كله هو حسابات ترامب الظاهره بإن ملك كوريا الشمالية الصغير كيم جونغ-أون قد يتراجع في مواجهة تهديداته فبعد أن اطلق الرئيس رونالد ريغان على الإتحاد السوفياتي لقب "إمبراطورية الشر" في عام 1983 تم توجيه النصح له بعدم تكرار ذلك من أجل تحسين العلاقة الثنائية وكون ريغان يدرك إهمية هذا التحسن للتخفيف من التهديد النووي فلقد اتبع نصيحة مستشاريه و لا يمكن أن يقال نفس الشيء عن ترامب الذي من المؤكد أنه قد تم تحذيره من مخاطر إلقاء الشتائم مثل "رجل الصاروخ" على كيم المتوحش وعديم الخبرة.

عندما تبنى نيكسون شخصيته "المجنونة" كان يحتذي الى حد ما بنيكيتا خروتشوف و هو جدي وخصم نيكسون خلال فترة ولايته كنائب للرئيس الأمريكي و في ما يسمى "بمناقشة المطبخ" سنة 1959 - واحدة من اللحظات الغريبة في الحرب الباردة- فقد تشاحن نيكسون مع خروتشوف في موسكو فيما يتعلق بتفوق الرأسمالية على الإشتراكية.

لقد ظهر خروتشوف بعد ذلك بعام في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بشكل مسرحي وقام الزعيم الثوري الجديد في كوبا فيدل كاسترو كما كان متعودا بإصدار تهديدات مبالغ بها بطريقة استعراضية وحتى لا يتم التغلب عليه فلقد استغل"اعصار نيكيتا "كل فرصة متاحة لاثارة الجدل الدبلوماسي مع التلويح بقضبته وحتى ما زعم عن وضعه للحذاء على الطاولة.

لقد كانت هناك أدلة كثيرة على أن القوى الغربية كانت تحاول خداع الإتحاد السوفيتي فلقد تم إسقاط طائرة إستطلاع من طراز يو - 2، والتي انكر الرئيس دوايت أيزنهاور وجودها فوق الأراضي السوفياتية وعلاوة على ذلك طالبت الولايات المتحدة الإتحاد السوفيتي بإحترام عقيدة مونرو التي خصصت أمريكا اللاتينية للنفوذ الأمريكي ولكنها لم تكن راغبة في قبول الهيمنة السوفياتية في أوروبا الشرقية ورفضت على الفور خطة نزع السلاح التي بدأها الإتحاد السوفييتي وهي أول محاولة رسمية للتعايش السلمي .

إعتقد خروتشوف بأن الغرب لم يأخذه على محمل الجد هذا يفسر تصرفاته الطائشه في الأمم المتحدة و قد شرح خروتشوف في وقت لاحق بأنه تصرف كما كان سيتصرف البلاشفة الاوائل فعندما لا تتفق مع الخصم يجب أن تقدم حجتك بوضوح وبصوت عال بالاضافة الى التشويش على ارائهم.

في عام 1962 أخذ خروتشوف هذا النهج إلى ما ابعد من ذلك عندما قام بإختبار الرئيس الشاب جون فيتزجيرالد كينيدي وذلك من خلال خطة مجنونة لنشر صواريخ نووية في كوبا وأثارت هذه الخطوة أزمة الصواريخ الكوبية وهي أخطر مواجهات الحرب الباردة ولكن جون فيتزجيرالد كينيدي لم ينكمش خوفا، كما أنه لم يرد بعنف وبدلا من ذلك، تجاهل بذكاء تهديدات خروتشوف ورد على رسالة أظهرت رئيس الوزراء السوفياتي كزعيم عقلاني يتفاوض من أجل المساواة في الشؤون العالمية وتلك الحسابات الباردة التي تدل على رباطة الجأش مكنت جون فيتزجيرالد كينيدي وخروتشوف من نزع فتيل التوترات وإنقاذ العالم من الصراع النووي.

يجب على العالم الآن أن يأمل أن ترامب يمكن أن يبدأ في التصرف بهدوء في تقييم كيم كما كان جون فيتزجيرالد كينيدي يتعامل مع خروتشوف و قد رد كيم على خطاب ترامب في الأمم المتحدة من خلال وصفه لترامب بأنه "مختل عقليا" و "خرف" و هذا يعني إما نجاح تمثيل ترامب لشخصية الرجل المجنون أو أن كيم قد أصاب كبد الحقيقة بشكل لا يتصوره احد.

المصدر: موقع "اللواء"، PS