بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

17 كانون الثاني 2019 01:12م ترامب وهجرة الأدمغة

حجم الخط
تُعتبر الجامعات الأمريكية العالية الجودة من أهم مصادر عظمتها. في كل عام، يسعى أفضل الطلاب من جميع أنحاء العالم للتسجيل في البرامج الجامعية والدراسات العليا في الولايات المتحدة، حيث تحتل الجامعات الأمريكية غالبية المراكز العليا في التصنيف العالمي. علاوة على ذلك، يعتبر البحث العلمي الأساسي الذي يتم إجراؤه في جامعات الولايات المتحدة بمثابة المحرك الرئيسي للابتكار والنمو الاقتصادي، فضلاً عن كونه مصدرًا لنسبة غير متكافئة من جوائز نوبل.

تعمل الجامعات الأمريكية مع مجموعة كبيرة من الطلاب والباحثين وغيرهم من الفاعلين الاقتصاديين. لا تجذب أفضل الجامعات البحثية أفضل وألمع الطلاب فحسب، بل أيضًا شركات التكنولوجيا الفائقة، مثل تلك الموجودة في وادي السيليكون وبوسطن. في الوقت نفسه، تقدم الجامعات العامة والخاصة في جميع أنحاء البلاد برامج ممتازة للدراسة الجامعية. وتقدم الكليات المجتمعية طيفاً واسعاً من برامج التدريب المهني، وتفتح الطريق للحصول على شهادة جامعية لعدد كبير من خريجي المدارس الثانوية.

تضمن المنافسة بين المؤسسات العامة والخاصة مستوى عال من التميز في جميع المجالات، لذا كان التعليم العالي في الولايات المتحدة لفترة طويلة صناعة تصدير رئيسية. ووفقاً لكاثرين رامبل من صحيفة واشنطن بوست، فإن "الصادرات التعليمية الأمريكية تبلغ حجم إجمالي صادرات الولايات المتحدة من فول الصويا والفحم والغاز الطبيعي". مع وجود ثلاثة أضعاف عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة أكثر من الأمريكيين الذين يدرسون في الخارج ، ساهم قطاع التعليم العالي في الولايات المتحدة في تحقيق فائض صافٍ بلغ 34 مليار دولار أمريكي لحساب الولايات المتحدة الجاري في عام 2017.

اٍن التحاق الطلاب الأجانب بالجامعات الأمريكية يجلب العديد من المزايا. بداية، عادة ما يدفع هؤلاء الطلاب رسوما عالية (خاصة على المستوى الجامعي)، والذي يسمح للجامعات بتخصيص المزيد من المساعدات المالية للأميركيين الذين يحتاجون إليها. على مستوى الماجستير، أكثر من نصف المسجلين في برامج علوم الكمبيوتر والهندسة مولودون في الخارج ويمكنهم البقاء في الولايات المتحدة للعمل. بدون هؤلاء الخريجين، ستواجه شركات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية نقصًا أكبر في المواهب أكثر مما تواجهه بالفعل.

وأخيراً، فإن وجود الطلاب الأجانب يثري تجربة الجامعة الأميركية أيضا. ومازالت هناك ميزة إضافية للقوة الناعمة: يعود العديد من الطلاب الأجانب إلى بلدانهم مؤيدين ومخلصين لأمريكا، ويمكنهم بالتالي التأثير على وضع السياسة الخارجية لبلدهم.

حتى عام 2016، كان عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة مرتفعا للغاية، لكنه عرف انخفاضا بعد ذلك بنحو 3 ٪ في عام 2016، وبنسبة 6.6 ٪ في عام 2017. وتشير التقارير الأولية إلى انخفاض بنسبة 7 ٪ في عام 2018. ويرجع هذا التراجع جزئياً إلى حقيقة مفادها أن البلدان الأخرى قد فهمت مدى أهمية وجود جامعات عالية الجودة، ولذلك فهي تعمل الآن بجد على جذب الطلاب الأجانب والاحتفاظ بهم.

يكمن عامل مهم آخر في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. منذ انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، أصبح من الصعب الحصول على تأشيرة الطالب، ويشعر الطلاب الأجانب المسجلون بالفعل في الجامعات الأمريكية بالقلق بشأن ما إذا كانوا يستطيعون السفر من وإلى بلادهم أم لا. إن هذه السياسة الخاطئة - التي تتمثل في قرار ترامب بشأن حظر السفر - تمنع عددًا متزايدًا من الطلاب الأوائل من متابعة دراستهم الجامعية في الولايات المتحدة.

من المؤكد أن هناك مشاكل في نظام التعليم العالي الأمريكي. لسنوات عديدة، كانت هناك شكاوى حول ارتفاع تكلفة التعليم. ومع ذلك، غالبا ما ننسى أن المعرفة المكتسبة من الجامعات الرائدة أصبحت أكثر قيمة، خاصة في مجالات مثل الكيمياء الحيوية وعلوم الكمبيوتر والدراسات البيئية. وحتى في المجالات الأخرى، عززت الابتكارات مثل البيانات الضخمة من فهمنا بشكل كبير ووسعت نطاق التطبيقات العملية في مجالات الأعمال والطب والسياسة العامة.

وبعبارة أخرى، نادرًا ما يسمع المرء شكاوى حول سعر سيارة تيسلا مقارنة بسعر سيارة فورد، أو حول سعر سيارة فورد اليوم مقارنة بسعر سيارة من نوع فورد تي في عشرينيات القرن الماضي. يرجع ارتفاع تكاليف التعليم بشكل كبير إلى تقدم مستوى معرفتنا، وبالتالي جودة البرامج الجامعية. مثلما تُعد سيارة اليوم أكثر قيمة من سيارة بداية القرن الماضي، كذلك بالنسبة للشهادة الجامعية.

وبطبيعة الحال، إلى جانب ارتفاع الرسوم الدراسية، يعاني الكثيرون من زيادة التكاليف الأخرى. ووفقًا لدراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية التي تضم 13 كلية وجامعة أمريكية، فإن "التوافق التنظيمي يمثل 3 إلى 11 بالمائة من نفقات تشغيل مؤسسات التعليم العالي". ومع ظهور مجالات جديدة متطورة وفرص مرتفعة الأجر في القطاع الخاص، ارتفعت أيضا تكاليف جذب وتعيين أعضاء هيئة التدريس.

وكحل جزئي، زادت الكليات والجامعات من مساعداتها المالية للتعويض عن "الرسوم الرسمية" (أي التكلفة الإجمالية للتعليم) لعدد أكبر من الطلاب. في الواقع، تنفق بعض الجامعات الآن نصف ميزانياتها على المساعدات المالية. ومرة أخرى، كلما زاد عدد الطلاب الأجانب الذين يدفعون رسومًا كاملة للدراسة في الولايات المتحدة، كلما قل هذا العبء.

يشتكي ترامب باستمرار من العجز التجاري في الولايات المتحدة، لكن إصداره أوامر إلى إدارته بتشديد شروط الحصول على التأشيرة لم يكن أمرا صائبا، حيث سيؤدي إلى تقليل صادرات خدمات التعليم العالي في الولايات المتحدة، وتدمير نظام التعليم العالي نفسه. مع محاولة الدول الأخرى تعزيز جامعاتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى مضاعفة جهودها لجذب الطلاب الأجانب. إن القيام بذلك لن يكلف الولايات المتحدة أي شيء، بل ستتمكن من جذب المواهب التي يحتاجها الاقتصاد الأمريكي، وتُقوي إمكانية الوصول إلى التعليم العالي لعدد أكبر من الأمريكيين.

المصدر: PS، موقع "اللواء"