بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

2 تموز 2019 12:40م ثلاثة دروس من احتجاجات هونج كونج

حجم الخط

لندن ــ أظهرت الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها هونج كونج في الأسابيع الأخيرة مدى إصرار مواطنيها على التمسك بأسلوب حياتهم الديمقراطي ــ الذي كُفِل لهم عندما أعادت المملكة المتحدة السيادة على المدينة إلى الصين في عام 1997. علاوة على ذلك، تنطوي الاحتجاجات على ثلاثة دروس قوية: لرئيسة مدينة هونج كونج التنفيذية كاري لام، وللمتظاهرين أنفسهم، ولحكام الصين.

على مدار السنوات القليلة الماضية، زادت السلطات الصينية على نحو مضطرد من تدخلها في شؤون هونج كونج، مما أدى إلى التآكل التدريجي لمبدأ "دولة واحدة ونظامان" الذي كان الهدف منه ضمان "درجة عالية من الاستقلالية" للمدينة بعد عام 1997. تنبع الأزمة الحالية من رغبة الصين في وضع إطار قانوني لإعادة الهاربين من البر الرئيسي الذين تزعم أنهم استخدموا المدينة كملاذ آمن لثرواتهم غير المشروعة. في كثير من النواحي، كان قانون تسليم المجرمين الذي قدمته لام يمثل امتدادا لحملة الرئيس الصيني شي جين بينج لمكافحة الفساد إلى هونج كونج، وكان المقصود منه تجنب وقوع المزيد من الحوادث مثل قيام ضباط الأمن الصينيين في عام 2017 باختطاف رجل الأعمال الفاحش الثراء شياو جيان هوا من المدينة.

لا يوجد دليل يشير إلى أن الصين أعطت لام تعليمات تفصيلية حول استنان القانون. بل يبدو أن لام أخذت على عاتقها تقديمه. بيد أنها تجاوزت اختصاصها عندما جعلت قانون تسليم المجرمين المقترح ينطبق ليس فقط على الصينيين الهاربين من البر الرئيسي، بل وأيضا على جميع مواطني هونج كونج العاديين، وكذلك الأجانب المقيمين بشكل مؤقت في المدينة أو الذين يقومون بزيارتها.

كان التشريع المقترح شاملا إلى الحد الذي جعل النشطاء الديمقراطيين، فضلا عن رجال الأعمال الذين اختلفوا مع شركاء من البر الرئيسي، يخشون أن يتم تسليمهم بشكل قانوني للصين لمحاكمتهم بموجب نظامها القانوني الخاضع لسيطرة الحزب. كما تشعر الشركات بالقلق إزاء احتمال مصادرة أصولها.

كما أوضحت اللافتات والشعارات المرفوعة في المظاهرات، لم يكن المحتجون يستهدفون الحزب الشيوعي الصيني أو الرئيس شي جين بنيج. ولم يكن التصور السائد للرئيسة التنفيذية لام على أنها دمية تحركها بكين هو الذي دفع مليونين من سكان هونج كونج ــ ما يقرب من 30% من سكان المدينة ــ إلى النزول إلى الشوارع. بل عكست الاحتجاجات الهائلة قلق المواطنين الواسع النطاق على أسلوب حياتهم، والغضب إزاء سوء الإدارة الجسيم من جانب لام.

الواقع أن الرئيسة التنفيذية أظهرت قدرا مذهلا من عدم الكفاءة السياسية. فبادئ ذي بدء، حاولت لام التعجيل بإقرار مشروع القانون المثير للجدال في المجلس التشريعي للمدينة بدلا من اتباع الإجراءات المعتادة. الأسوأ من ذلك أنها أمرت قوات الشرطة بالرد بقوة على مظاهرات التاسع من يونيو/حزيران، التي حشدت مليون محتج. وبسبب وقوع هذه الأحداث بعد فترة وجيزة من حلول الذكرى الثلاثين الحساسة لمذبحة ساحة بوابة السلام السماوي (تيانانمين) في عام 1989، وفي وقت حيث كان شي يستعد للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في محاولة لوقف الحرب التجارية الصينية الأميركية، فإن استجابة قوات الشرطة في هونج كونج كانت سببا للحرج ولم تكن ما تريد الصين.

عندما أصدرت لام الأمر بالتصدي بقوة للمظاهرات، فإنها بذلك تجاهلت قواعد تنظيم المظاهرات الواسعة النطاق في هونج كونج والتي ظلت مرعية منذ ثمانينيات القرن العشرين، والتي تقضي بأن يراقب الضباط المظاهرات مرتدين قبعات خفيفة ومسلحين بمياه معبأة في قوارير بلاستيكية، وأن يقدموا المساعدة لأي متظاهر في احتياج إليها. في الماضي، كان هذا النهج يضمن دوما تعاون المحتجين. لكن نشر قوات الشرطة وهي مجهزة بكامل معدات مكافحة الشغب، واستخدام هذه القوات لرذاذ الفلفل، والغاز المسيل للدموع، والرصاصات المطاطية، كان سببا في إثارة الغضب العام وأدى حتما إلى اندلاع أعمال عنف.

كانت استجابة لام الأولية تتلخص في تقديم اعتذار فاتر والوعد بتعليق مشروع القانون، في حين أصرت على أن أولئك الذين ألقي القبض عليهم كانوا من مثيري الشغب. وتسبب هذا في زيادة غضب المواطنين، ودفع الصين في نهاية المطاف إلى سحب دعمها لها. ثم كان اعتذار لام اللاحق الأكثر مباشرة وصراحة، ووعدها بعدم إعادة تقديم مشروع القانون في المستقبل المنظور، كافيا منذ ذلك الحين لكبح الغضب العام، وتوقفت المظاهرات الحاشدة في الوقت الحالي. لكن المشاعر الشعبية لا تزال محتدمة.

الدرس الأول والأكثر وضوحا المستفاد من الأحداث الأخيرة هو أن لام أصبحت عائقا كرئيسة تنفيذية، وأنها أهدرت كل المصداقية. كما كانت سببا لإحراج الصين وقائدة إقليمية غير فعّالة. وسوف يُبقي عليها شي وحكومته في منصبها في الوقت الحالي، لتجنب السماح للمحتجين بإعلان انتصارهم، ولضرورة إيجاد البديل المناسب أولا. لكن احتمال بقاء لام في منصبها حتى نهاية ولايتها بات بعيدا الآن. وأفضل ما يمكنها القيام به من أجل هونج كونج هو أن تستقيل قبل أن تطردها الصين. وسوف تكتشف قريبا أن الحزب الشيوعي الصيني لا ينسى ولا يسامح.

ثانيا، نجح المحتجون والناشطون في هونج كونج حتى الآن لأنهم لم يتحدوا شي جين بينج ولا الحزب الشيوعي الصيني بشكل مباشر، بل ركزوا بدلا من ذلك على إخفاقات لام وطالبوا بسحب مشروع قانون تسليم المجرمين. كان شي قادرا على سحب دعمه للرئيسة التنفيذية لأنها خذلته إلى حد كبير. ولو قامت لام بما قيل لها أن تقوم به فحسب، لما تمكن شي من التراجع دون أن يبدو ضعيفا.

ثالثا، ينبغي للصين أن تدرك أن العملية التي تقرها لاختيار الرئيس التنفيذي لهونج كونج معيبة بشدة. الواقع أن لام عديمة الكفاءة سياسيا إلى حد كبير لأنها تفتقر إلى حصافة الرأي التي يكتسبها كل سياسي منتخب من خلال هرج ومرج العملية الانتخابية. وبسبب اختياره من قِبَل "هيئة انتقاء"، يفتقر رئيس هونج كونج التنفيذي إلى المهارات السياسية الضرورية لأداء واجباته على النحو الصحيح ــ وهي المشكلة التي واجهت كل الرؤساء التنفيذيين الذين سبقوا لام منذ عام 1997.

إذا لم يكن بوسع قادة الصين أن يقروا انتخابات مباشرة حقيقية للرئيس التنفيذي، فينبغي لهم أن يعودوا على الأقل إلى خطتهم السابقة المتمثلة في إجراء تصويت شعبي بعد استبعاد المرشحين المعترض عليهم. وينبغي للديمقراطيين في هونج كونج أن يقبلوا بهذا كحل وسط. فمن مصلحة الجميع التقليل إلى أدنى حد من خطر تصاعد الاحتجاجات الحاشدة إلى خارج نطاق السيطرة والعودة إلى المواجهة المباشرة بين مدينة هونج كونج والحزب الشيوعي الصيني.

المصدر: Project Syndicate