بوابة العالم

18 نيسان 2019 12:13م حملة بوتين التطهيرية

حجم الخط

موسكو - في الآونة الأخيرة، انتشرت عمليات التطهير السياسي رفيعة المستوى في روسيا بشكل رهيب. لقد تبين ذلك في أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، مع اعتقال ميخائيل أبيزوف الوزير السابق للشؤون الحكومية المفتوحة، و - بعد يومين - فيكتور إشاييف وزير الشرق الأقصى السابق والحاكم السابق لمنطقة خاباروفسك الروسية. من غير المستغرب أن إلقاء القبض على مثل هذه الشخصيات البارزة له تأثير كبير على النخبة في البلاد.

قامت السلطات اليوم بسجن ثلاثة وزراء سابقين في الحكومة الفيدرالية وفريق من المسؤولين الإقليميين - بتهم الفساد أو التزوير. وقد حُكم على وزير التنمية الاقتصادية السابق أليكسي أولوكاييف، بالسجن لمدة ثماني سنوات. وخضع الرئيس السابق لجمهورية كومي الروسية فياتشيسلاف جايسر، للمحاكمة ويواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى 21 عامًا. كما حُكم على ألكساندر خوروشافين حاكم منطقة ساخالين سابقًا بالسجن لمدة 13 عامًا، وأمرت المحكمة الروسية بحبس نظيره حاكم منطقة كيروف الذي يُدعى نيكيتا بيليخ - والذي ترأس الحزب السياسي الليبرالي المُنحلٌ الآن - لمدة ثماني سنوات. علاوة على ذلك، أصدرت المحكمة حكما باعتقال سيناتور مجلس الاتحاد الروسي رؤوف أراشوكوف، في قضيتي قتل ومشاركة في مجموعة إجرامية.

كانت عمليات التطهير الكبرى نادرة نسبيًا في الاتحاد السوفيتي عقب وفاة جوزيف ستالين في عام 1953. انطبق الأمر نفسه على روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي قبل بضع سنوات، على الرغم من أن العديد من كبار مسؤولي الإحصاء سُجنوا بسبب الفساد في عام 2004، بعد محاكمة دامت لست سنوات. أعاد ذلك أحداث حقبة سابقة: في الفترة ما بين 1918 و 1941، كان هناك ثمانية رؤساء في جهاز الإحصاء، خمسة منهم أطلق عليهم الرصاص بين عام 1937 و 1939، أمام أعين ستالين.

في الواقع، تُعد عمليات التطهير والإقالات والملاحقات القضائية ذات المستوى الأدنى مسألة عادية في روسيا. وفقًا للمحلل السياسي نيكولاي بتروف، ستبدأ السلطات من 2018-2020 تحقيقًا جنائيًا سنويًا مع رؤساء المحافظات ونوابهم ومع العمد.

لكن في فترة ما بعد الحقبة السوفيتية، اعتبر رؤساء الوزراء السابقون ونواب رؤساء الوزراء والوزراء أنفسهم عمومًا في مأمن من هذا الخطر. لقد اعتمدوا على التضامن القائم على المحسوبية، واعتقدوا أن النظام لن يسمح باعتقال كبار المسؤولين المتقاعدين. حتى السياسي المعارض بوريس نمتسوف، الذي قُتل بالرصاص في موسكو عام 2015، كان يعتقد أنه لن يتعرض لأي مكروه من قبل الدولة لأنه كان نائبًا لرئيس الوزراء سابقا.

وسواء كانت الدولة متورطة في قتل نمتسوف أم لا، فإن الاعتقالات الأخيرة لأبيزوف وإيشاييف أكدت هذه الافتراضات. إنها تشير إلى أن عمليات التطهير التي نفذها بوتين ستشمل الأعضاء السابقين في الحكومة الفيدرالية، الذين ظهروا في العديد من الصور الرسمية إلى جانب بوتين ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف وغيرهم من أعضاء الطبقة الحاكمة في روسيا.

للوهلة الأولى، قد تؤدي هذه الاعتقالات الأخيرة إلى زعزعة الثقة في السلطات. بعد كل شيء، كانت وكالات إنفاذ القانون الروسية تجمع أدلة ضد أبيزوف وإيشاييف لسنوات بينما واصلوا العمل كوزراء. علاوة على ذلك، تم تعيين أبيزوف في عام 2018 مستشارا لبوتين. هل يجب أن نعتقد حقًا أن رئيس الدولة لم يكن يعرف شيئًا عن التلاعب التجاري (إن وُجد على الإطلاق) لمسؤول رفيع المستوى في الكرملين؟

لكن الرأي العام لا يعير أي اهتمام لهذه الحملة. معظم الروس لا يرون أي صلة بين محاكمة الشخصيات البارزة ومصداقية السلطات. على العكس من ذلك، يبدو أن الناس يتعاطفون مع رسالة بوتين التي مفادها أن المؤسسة تحارب الفساد.

لكن الرسالة المُوجهة إلى النخب المُضطربة في روسيا هي الأكثر أهمية. وهذه الرسالة واضحة: لا أحد في مأمن من العقاب، حتى لو تقاعدوا من الخدمة العامة ولم يعد لهم أي تأثير - مثل أبيزوف وإيشاييف.

علاوة على ذلك، أصبح القمع الانتقائي أشد قسوة. قبل بضع سنوات، تم كشف ومعاقبة الأطراف المُذنبة - كما حدث مع الرئيس السابق لجهاز الجمارك الفيدرالية أندريه بيليانينوف، عندما نشرت السلطات شريط فيديو عن البحث الذي قامت به حول قصره الفاخر، مع صور لصناديق الأحذية المليئة بالدولارات. في هذه الأيام، يتم القبض على المشتبه بهم على الفور، خاصةً إذا كان بوتين غير مهتم بهم تمامًا. كان هذا هو الحال مع أولوكاييف وبليخ، اللذان كانا ينتميان إلى مجموعة من الليبراليين في النظام، وأبيزوف الذي كان يُعتبر رجل ميدفيديف. إذا كان اعتقال أبيزوف يثير قلق ميدفيديف، فإن ذلك سيكون أفضل.

بالنسبة لبوتين، فإن تذكير النخب الروسية بأن لا أحد في مأمن من المقاضاة هو أفضل طريقة لإبقائهم في حالة تأهب. كان يحتفظ أي مفوض يعمل لدى ستالين بمجموعة من الضروريات الجاهزة في حالة اعتقال مفاجئ. ينصح بوتين الآخرين بالقيام بنفس الشيء. علاوة على ذلك، يجب أن يفهموا أن الاٍقالة من مناصبهم، بعيدًا عن كونها نهاية حلقة غير سارة، قد تكون مجرد بداية لشيء أسوأ.

كما تبعث عمليات التطهير الحالية برسالة إلى الجيل القادم من المسؤولين في روسيا، والتي مفادها أنهم سيلقون العقاب عن السلوك السياسي غير المناسب أو التركيز المفرط على مصالحهم التجارية الخاصة. لعبت عمليات التطهير نفس الدور تقريبًا في عهد ستالين. في ذلك الوقت، تنفس مفوضو الشعب الجدد ونوابهم الصعداء عندما تم القبض على رؤسائهم السابقين (أو أسوأ من ذلك). وقد أدرك المفوضون الشباب أيضًا أنه في هذا التوجه الذي تقره الدولة، قد يتم الأمر بالاعتقال بنفس السهولة.

وبالمثل، يفضل بوتين إسناد المناصب الوزارية والحكومية للتقنوقراط الجدد. إنهم مسؤولون مخلصون تتراوح أعمارهم بين 40 و 50 عامًا، ويفضل أن لا ينتمون إلى أي نخبة محلية، ويسعون جاهدين لتحقيق أهدافهم وليس لديهم طموحات لحل القضايا السياسية.

في الواقع، يشعر هؤلاء الموظفون الجدد بالقلق اٍثر عمليات التطهير المستمرة، ولن يتخذوا أي خطوة دون موافقة القيادة. سيوقف ذلك أي تحديث حقيقي في روسيا - تماما كما يحبد بوتين.

المصدر: PS، موقع "اللواء"