بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

12 شباط 2020 11:40ص «انقلاب القرن».. هكذا تجسّست الاستخبارات الأميركية والألمانية على 100 دولة!

حجم الخط
بعد ما ذكرته وثائق "ويكيليكس" عن تجسّس وكالات استخبارية في مختلف دول العالم على بعضها البعض، كشفت تقارير جديدة أن الاستخبارات الأميركية (CIA) والألمانية (BND) استخدمتا شركة سويسرية متخصّصة في تشفير الاتصالات للتجسّس على أكثر من 120 بلد، في وقت بدأت السلطات السويسرية بـ"استقصاءٍ" حول الأمر في 15 كانون الثاني الماضي.

ووفقًا لتحقيق أجرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بالتعاون مع التلفزيون الألماني "زد دي اف" ومحطة الإذاعة والتلفزيون السويسرية "اس ار اف"، فإنه لأكثر من نصف قرن، كانت الحكومات في جميع أنحاء العالم تثق في شركة واحدة للحفاظ على سرية اتصالات جواسيسهم وجنودهم ودبلوماسييهم. إذ تربّعت شركة التشفير "كريبتو إيه جي"، بعد الحرب العالمية الثانية، على عرش قطاع بيع تجهيزات التشفير، وقد باعت تجهيزات بـ"ملايين الدولارات" لأكثر من 120 بلدًا.

وبحسب "واشنطن بوست" فإن قائمة الجهات التي تعاملت مع الشركة السويسرية تشمل "إيران والمجالس العسكرية في أميركا اللاتينية، والهند وباكستان والفاتيكان"، لكن لم تُدرك أي من هذه الدول أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" اشترت في العام 1970، شركة "كريبتو إيه جي"، في إطار "شراكة سرّية للغاية" مع جهاز الاستخبارات الألماني "بي ان دي" وأن الوكالتين عمدتا إلى "التلاعب بتجهيزات الشركة بغية فك الرموز التي كانت البلدان (الزبائن) تستخدمها في توجيه رسائلها المشفّرة".

هذ الشراكة التي استمرّت لعقود تُعتبر من بين أكثر أسرار الحرب الباردة "حماية" حيث تمّ وضعه في سجل سري وشامل. وتكشف الوثائق التي حصل عليها معدّو التحقيق اسماء موظفي الاستخبارات الأميركية الذين أداروا البرنامج والمديرين التنفيذيين للشركة المكلفين بتنفيذه. كما تتبّعت أصل المشروع وكذلك النزاعات الداخلية بين الوكالتين والتي كادت أن تخرج عن مسارها. ويصف كيف استغلّت الولايات المتحدة وحلفاؤها سذاجة الدول الأخرى لسنوات، فأخذوا أموالهم وسرقوا أسرارهم.

وصف التحقيق هذه العملية التي أُطلق عليها اسم "تيزوروس" ومن ثم "روبيكون"، بأنها "انقلاب القرن"، وأضاف أن الحكومات الأجنبية كانت تدفع أموالًا جيدة للولايات المتحدة وألمانيا الغربية من أجل امتياز قراءة معظم اتصالاتها السرية من قبل دولتين أجنبيتين على الأقل (وربما ما يصل إلى خمسة أو ستة)".

وأضاف التحقيق أن وكالتي الاستخبارات تمكّنتا من مراقبة أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية في طهران في العام 1979، وتزويد بريطانيا معلومات عن الجيش الأرجنتيني إبان حرب (الملوين/فوكلاند)، ومتابعة حملات الاغتيال في أميركا اللاتينية، ومباغتة مسؤولين ليبيين خلال إشادتهم باعتداء على ملهى ليلي في برلين الغربية في العام 1986 أسفر عن مقتل جنديين أميركيين.

في اوائل التسعينيات، انسحبت الاستخبارات الالمانية من الشراكة خوفًا من افتضاح الأمر، لكنّ الاستخبارات الأميركية اشترت الحصة الالمانية واستمرّت في تجسّسها حتى العام 2018 حيث باعت أصول الشركة التي تراجعت أهميتها في سوق الأمن العالمي بسبب انتشار تقنية التشفير عبر الإنترنت.
واستندت معدّو التحقيق إلى وثائق جمعوها من وثائق أجهزة الاستخبارات الأميركية والالمانية، إضافة إلى مقابلات مع مسؤولي الاستخابرات الغربيين الحاليين والسابقين فضلاً عن موظفين في التشفير، وجمعيهم رفضوا الكشف عن هويتهم نظرًا لحساسية الموضوع.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" لم تشأ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ولا جهاز الاستخبارات الألماني الإدلاء بأي تعليق حول التحقيق، على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين والألمان لم يشككوا في صحة الوثائق.

وتكشف الوثائق النزاعات بين الشريكين حول السقف المالية للعملية والسيطرة والأخلاقية، فكانت الاستخبارات الالمانية تُهاجم حماس جواسيس الولايات المتحدة في استهداف الحلفاء، لكن كلا الجانبين يصفان العملية بأنها "ناجحة تتجاوز توقعاتهم الأكثر وحشية"، وفقًا للتحقيق.

من جهته، أكد المنسّق السابق للاستخبارات الألمانية برند شميدباور للتلفزيون الألماني "زد دي اف" أن "روبيكون" كانت بالفعل عملية استخبارية، مشيرًا إلى أنها ساهمت في "جعل العالم أكثر أمنًا". واعتبرت الشركة السويدية "كريبتو إنترناشونال" التي اشترت "كريبتو إيه جي" أن التحقيق "يثير القلق" نافية وجود "أي رابط مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهاز الاستخبارات الألماني".
 
وأعلنت السلطات السويسرية، الثلاثاء، أنها بدأت "استقصاء" حول الأمر في 15 كانون الثاني الماضي، لكن معدّو التحقيق شكّكوا في توقيت التحرّكات السويسرية، إذ تُشير وثائق التحقيق أن السلطات السويسرية كانت علم علم بعلاقة الشركة مع الاستخبارات الأميركية والالمانية، لكنّها لم تتدخّل إلا بعد أن علمت أن المؤسسات الإخبارية على وشك الكشف عن هذا الترتيب.
(بتصرّف عن "واشنطن بوست")