بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيار 2023 12:00ص أي لبنان نريد؟

حجم الخط
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحوّلات وتطوّرات متسارعة على صعيد إعادة العلاقات بين دول الإقليم وترتيب البيت الداخلي العربي، وفقاً لما جرى في اجتماع وزراء الخارجية العرب، لجهة إعادة سوريا لشغل مقعدها في مجلس الجامعة.
إن حجم التبدّلات التي حدثت والمتوقعّ حدوثها، شكّل مفاجأة لجهة المنحى الذي أخذته، ما شكّل إرباكاً على أكثر من صعيد لمواكبة تلك المتغيّرات، وفي مقدمة الإرباك الحاصل ما تجلّى من ناحية هو عدم مواكبة لبنان لحجم تلك التحوّلات في المنطقة وانعكاسها على الساحات العالمية والإقليمية والداخلية، الأمر الذي يطرح التساؤل التالي: الى أين؟ وفقاً للعبارة التي اشتهر بإطلاقها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
مستقبل لبنان أصبح على المحكّ، وهو ليس بأمر جديد، فهو يطرح جدّياً أقلّه من ثلاث سنوات، أي لحظة دخول لبنان مرحلة الانهيار التام، فقد خسر لبنان ركائز أساسية لطالما شكّلت نقطة القوة في الهيكلية التي قام عليها حتى منذ ما قبل استقلاله.
ولعل النظام المصرفي والتعليم والصحة عوامل كانت الركائز الأساسية التي أعطت لبنان تميّزاً عن باقي دول المنطقة، فالنظام المصرفي تعود لبنته الأولى الى تسعينيات القرن التاسع عشر، وتطوّر أكثر في خمسينيات القرن العشرين مستفيداً من الطفرة البترولية لدى دول الخليج العربي ولجوء الرساميل العربية إليه والأحداث التي أعقبت نكسة العام 1948، والسرية المصرفية كانت احدى أدوات الجذب، رغم أزمة بنك انترا في ستينيات القرن العشرين.
شكّل التعليم أيضاً والذي سار بالتوازي مع الحركة المصرفية سلاحاً لبنانياً جرى تصديره الى دول العالم وشكّل نقطة جذب في الوقت عينه لطالبي العالم في أهم مدارسه وجامعاته، مثله مثل القطاع الصحي، حتى أضحت بيروت مستشفى العرب وجامعتهم كما مصرفهم.
رغم سنين الحرب (1975-1989)، والاعتداءات الإسرائيلية، استطاع لبنان بعد إقرار اتفاق الطائف، العودة الى ممارسة دوره التاريخي مستفيداً من مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن الأمور ما لبثت أن تغيّرت بعد اغتياله، ليدخل لبنان نفقاً مظلماً ازداد سواداً بعد الأزمة الأخيرة.
لعلّ الرابط بين التحوّلات التي تحدث في المنطقة ومسار الأسى الذي يمرّ به لبنان، والذي يتمثّل بدور لبنان المستقبلي وماذا يستطيع أن يفعل لمواكبة ما يحدث في المنطقة، وهو المثقل بأزماته، فقد خسر مقومات تميّزه التي تحدّثنا عنها أعلاه، وأخرها مرفأ بيروت (درّة التاج في الاقتصاد اللبناني)، فقد تشكّلّت مدن منافسة لبيروت وأصبحت مركز ثقل اقتصادي ونقطة جذب للرساميل العالمية والعربية، أما الجامعات اللبنانية فقد افتتحت فروعاً لها في الخارج، حتى انتقل لها الطلاب اللبنانيون، تاركين جامعات بلادهم، هذا فضلاً عن قيام مستشفيات تخصصية متقّدمة تخطّت نظيراتها اللبنانية، هذا فضلاً عن انهيار النظام المصرفي اللبناني وخسارته للثقة العربية بدوره.
قد تكون السياحة هي السبيل الوحيد لجذب الخارج الى لبنان، لكن الأمور تخطّت الفرادة اللبنانية مع منافسة سياحية من أكثر من دولة.
اشتهر لبنان بالفوضى المنظمة، وفقاً للتقرير الذي قدم الى الرئيس فؤاد شهاب، ولعل انطباعه بهذا الأمر يشكّل أمراً متوارثاً من نظام المتصرفية الذي أقيم في جبل لبنان في ستينيات القرن التاسع عشر، وتتطوّراً سلباً حتى تاريخه.
شكّل العام 1969 انعطافاً في دور لبنان، فتحوّل الى دولة مواجهة عسكرية، أما اليوم فهو دولة المواجهة الأولى، وهو ما شكّل خلافاً بين اللبنانيين حول دور بلاد الأرز.
أي لبنان نريد؟ هو السؤال الأساس، بعد خسارة نقاط القوة التي أعطت لبنان علامته الفارقة بين أقرانه، فهل سيستفيد اللبنانيون من تطورات المنطقة إيجاباً لمصلحتهم؟

* باحث – كاتب سياسي