بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 آب 2018 06:05ص إسرائيل الدولة القومية لليهود بين الديني والدنيوي!

من نبوخذ نصر إلى كمب ديفيد

حجم الخط
يوم الاثنين 26 (Mars) 1979، 27 آذار (Adar) 5739 وفقاً للرزنامة العبرية، ربيع الثاني 1399هـ (وفقا للتاريخ الإسلامي)، وعند الساعة الثانية وأربع دقائق بعد الظهر، وفي الساحة الخضراء للبيت الأبيض في واشنطن، كان أنور السادات ومناحيم بيغن يوقعان معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وأضاف جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأميركية توقيعه على الوثيقة كشاهد.
احتفل اليهود في إسرائيل، حينها، ومعهم يهود العالم، وقادة الدول خارج العالمين العربي والإسلامي، بالحدث التاريخي الكبير.
كانت الدعاية لدى الانتلجنسيا الإسرائيلية (كتّاب، معلقون، صحافيون، مراسلون، وأكاديميون) أن حقبة جديدة، بدأت للتوّ في الشرق الأوسط.
ومن معالم هذه الحقبة، أو نقطة التحوّل هذه ان ثلاثين سنة (1948 - 1979) من الحروب قد وضعت أوزارها، وأن عهداً من السلام سيكون سمة التاريخ المقبل.. وان حقبة من الازدهار، ستفتح الأبواب أمام هيمنة إسرائيلية على منطقة بكاملها، من بوابات الاستقرار والازدهار، وكأن نبوءة وردت في اناشيد أو مزامير داود آخذة في التحقق «فالسلام يسيطر داخل جدرانك، والازدهار في قصورك».
وكان الاعتقاد السائد داخل إسرائيل وخارجها ان حرب أكتوبر 1973، هي آخر الحروب بين العرب وإسرائيل، وأن تاريخاً جديداً، يطوي صفحة الآلام والحروب بين زيارة السادات (الرئيس المصري آنذاك) إلى القدس المحتلة (Jerusalem) عام 1977، وCamp David 1978 في الولايات المتحدة، حيث بدأت مفاوضات السلام.
وكتب مؤلفو كتاب «سنة السلام» (L’année de la colombe) (1979)، وبينهم المعلق العسكري الإسرائيلي الشهير زئيف شيف (Zeev Shiff): ان 18836 جندياً اسرائيلياً وأكثر من 60000 جندي مصري قدّموا حياتهم لجعل هذه اللحظة من الفرح (توقيع معاهدة السلام) ممكنة.
كانت الأحلام الإسرائيلية، ان حقبة الحروب، حرب 1948 (والتي انتهت باتفاقيات الهدنة عام 1949، مع عدد من الدول العربية المجاورة، وبينها لبنان) وحرب 1967 (والتي انتهت باحتلال أراضي ثلاث دول عربية: مصر، سوريا، الأردن، وكل الضفة الغربية وغزة، فضلاً عن القدس الشرقية) وحرب 1973 (والتي فتحت الباب إلى كمب ديفيد) انتهت إلى غير رجعة.. وان إسرائيل الدولة «الديمقراطية» سواء في عهد حكم اليسار أو اليمين، ظفرت بالمكانة الشرعية، وبالقبول العربي لوجودها، وهي عاجلاً أم آجلاً، ستعيد ترتيبات مكانتها، كجزء من النظام الإقليمي للشرق الأوسط، ومن بينه النظام الإقليمي العربي..
لكن، رياح الأحداث لم تجرِ وفقاً لمزامير داود، ولا حتى وفقاً لروحية كمب ديفيد. فمنذ الثمانينات، أي بعد أكثر من ثلاثة عقود (30 سنة)، وللزمن الفلكي - التاريخي، الحدثي دورة كاملة الاختلاف..
لقد حدثت تحولات هائلة، في المشهدين الإقليمي والدولي.. فكانت ثورة الخميني التي ارتدت «رداء اسلامياً» وعرفت المنطقة، بعد انهيار «الاتحاد السوفياتي» والمنظومة الشرقية، أو الاشتراكية، ان عصر القطب الواحد عاد يهيمن على «النظام العالمي»، على ان الأبرز في سياق التحولات، ظهور «مقاومات» من طراز مختلف: الهوية الدينية، فبعد «المقاومة الإسلامية في لبنان» (حزب الله) 1982، ولدت المقاومة الإسلامية في فلسطين حماس (أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات)، ثم الجهاد الإسلامي..  وهكذا، اندمجت الحركة السياسية والحزبية، سواء أكانت في العمل العسكري المقاوم (لتحرير الجنوب) أو غزة أو فلسطين (كل فلسطين) أو العمل المدني، السياسي، الانتخابي إلخ... ضمن منظومات دينية، تستعيد ايديولوجيا الحرب والمقاومة، استناداً إلى مخزون محفوظ من الكلام الديني، والوقائع التاريخية، حول الصراع بين العرب واليهود، أو بين اليهود والمسلمين.. ولا بأس بين اليهود والمسيحيين (بصرف النظر عن المصالحة التي أجراها البابا يوحنا بولس الثاني بابا الكاثوليك مع إسرائيل قبل سنوات).
على إيقاع صيحات: خيبر.. خيبر يا يهود جيش محمّد سوف يعود.. في ضاحية بيروت الجنوبية، تحرر الجنوب والبقاع الغربي.. وعلى الصيحات إياها خرجت غزة من تحت الاحتلال الإسرائيلي، بمعزل عن المفاوضات، التي جرت سواء في أوسلو 1991، أو في الولايات المتحدة، أو وادي عربة، أو سوى ذلك..
في سنة السلام (أو اليمامة) كانت آليات الصراعات، تسير في هذه المنطقة، وفقاً للقانون التاريخي التالي: صراعات (أسباب اقتصادية، جغرافية، سياسية عقائدية، دينية) حروب - مفاوضات - اتفاقيات أو معاهدات، انقلب السحر على الساحر، وأصبحت المفاوضات، وكأنها ليست جزءاً من اللعبة.. حلّ قانون الانفصال مكان قانون الاتصال: فلتكن الكيانات ذات الهويات الدينية هي المخرج.. وبدل الكلام عن كيانات (دولة + مؤسسات + بشر) فلتكن هكذا (جماعات + بلا مؤسسات، وبشر من هوية واحدة).. هكذا تتخذ صراعات المنطقة، لبوساً، لا تاريخياً، وتتقدّم الهويات على ما عداها، في لعبة البحث عن مخارج أو حلول للحروب..
وإذا كانت الحروب، في حقبة تشكّل الإمبراطوريات الدينية، من الأعصر الهلينية إلى العصور الوسيطة، آلت إلى تشكّل العالم الحديث بعد سقوط القسطنطينية عام 1454، على ايدي الفاتح العثماني، وعودة أوروبا إلى داخل حدودها الجغرافية كقارة، وانقسامها بين الكاثوليك والبروتستانت، فإن حقبة جديدة، من الحروب الدينية في الشرق الأوسط، تبدأ، وتقوى، ثم تتراجع، ولكن تتوقف.
لا ادري، إذا كان الاسرائيليون (نسبة إلى إسرائيل، الكيان الجغرافي، الذي أصبح يدل على الدولة العبرية، بدل ان يدل على الدولة الفلسطينية - فلسطين) يعرفون تماماً، ما الذي حدا بهم إلى إعلان قانون الدولة القومية لليهود، والاحتفال به في الكنيست قبل أسابيع قليلة، يأتي نتيجة ما تنبأت به مزامير داود، أم نتيجة لمراجعات هائلة من تجارب، فاشلة، على مرّ ستة آلاف سنة، من اضطهاد الفراعنة، إلى سبي نبوخذ نصر، إلى «الفتيوات الاوروبية» والهولوكستات المزعومة، والحروب مع الكاثوليك في أوروبا، ما قبل عصر النهضة.
يروي يوري افنيري (واعتقد انه يساري اسرائيلي) انه قال في حوار مع ارييل شارون (وزير دفاع سابق، خلال اجتياح لبنان 1982): «انا أولاً وقبل كل شيء إسرائيلي. وبعد ذلك انا يهودي». وردّ شارون بحماس: «انا أولاً، وقبل كل شيء يهودي، وبعد ذلك فقط انا اسرائيلي».
ينطلق افنيري من هذه المقاربة المتباينة ليتحدث عن أزمة تمزق إسرائيل الآن: وهي ناجمة عن القانون الذي اقرته بتسرع الأغلبية اليمينية في الكنيست، بعنوان: «القانون الاساسي: إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي».
بعد الـ1948، كان ينظر لإسرائيل بأنها دولة «يهودية ديمقراطية» هناك مساواة بين سكانها دون اعتبار للدين أو العرق أو الجنس.. والآن - حسب افنيري - لا ديمقراطية، ولا مساواة، وهناك دولة من اليهود لليهود، وباليهود».
كان ماركس، يعتقد ان «العصر الحديث بتحرره من المتاجرة والمال، وبالتالي من اليهودية الواقعية والعملية، يُحرّر نفسه بنفسه».. معتبراً ان «قومية اليهودي الوهمية هي قومية التاجر، قومية رأس المال» (ماركس المسألة اليهودية).
ويصرف النظر عن هذا وذاك، فإن المنطقة مفتوحة، على صراعات غير مسبوقة على الثروة والثروات والمال، ستعيد تشكيل الخرائط، ليس في كيانات محدّدة، متخذة لبوس الهوية الدينية، والجغرافيا الدينية، والخطاب الديني، والعودة إلى أوهام الميتولوجيا بكل تسمياتها، بحثاً عن عالم خالٍ من السلام والاستقرار، أو حتى الازدهار الاقتصادي، ولو بعد قرن بكامله؟!