بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 كانون الأول 2023 04:46م إصلاحات دستورية لبناء دولة عصرية

حجم الخط


مع إنتهاء الحرب العالمية الأولى وويلاتها التي طالت كل أرجاء العالم، وبتأسيس دولة لبنان الكبير في العام 1920 الذي كان جزءاً من تقسيمات القوى الدولية الكبرى حيث خضع للإنتداب الفرنسي، صدر الدستور اللبناني سنة 1926 بعد أن تمّ إقراره من قبل مجلس الممثلين آنذاك.

وتوالت السنين حتى وقعت الحرب الأهلية في لبنان، وهناك من أسماها بحرب الآخرين على أرضه، عبر دخول عوامل عربية وإقليمية على خطّ الأزمة اللّبنانية بشتعباتها السياسية والدستورية والعسكرية والطائفية والمذهبية، وصولاً إلى إقرار إتفاق الطائف، فحصلت تعديلات دستورية قيل أن المواد المتصلة بها لم تكن تُطبّق قبل وضعه عام 1989، لأن الصلاحات الواسعة مثلاً التي كان يتحلّى بها رئيس الجمهورية آنذاك، لم يكن يستخدمها بفعل التركيبة الطوائفية التعددية في لبنان.

وما زلنا لغاية اليوم، ندور في حلقة مفرغة على صعيد معالجة بعض الثغرات الدستورية التي نواجهها في كل إستحقاق رئاسي أو حكومي أو إنتخابي، وهناك من يقول طالما أن الطائفية السياسية "معشعشة" في النفوس والنصوص، فلا بدّ أن البلد لن يُكتب له الخروج من عملية شدّ الحبال بين المكونات اللبنانية.

في نهاية عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان، ألقى الأخير خطاباً عدّد فيه بعض الأنور المطلوبة، وقد جاء في كلمته التالي:

"إن الممارسة الدستورية، في خلال السنوات الست، وبالاستقلال عن التدخل الخارجي، كشفت الثغرات الدستورية، التي حمّلت النظام السياسي بذور اعاقته وتعطيله.

لذلك عكفت لجنة من الحقوقيين والخبراء الدستوريين على دراستها مستفيدة من تجربة السنوات المنصرمة، ووضعت مقترحات لتعديل الدستور، ستسلم الى الرئيس الجديد، وقد ارسلت الى الامانة العامة لمجلس الوزراء. وأبرز هذه التعديلات:

١- إعادة  حق حلّ مجلس النواب عند الضرورة والاقتضاء ولمرة واحدة، الى السلطة التنفيذية، بمبادرة من رئيس الجمهورية، انسجاماً مع مبادئ النظام البرلماني الذي يعطي في المقابل السلطة التشريعية حق سحب الثقة من الحكومة.

٢- إعطاء رئيس الجمهورية حق إعادة الاستشارات النيابية بتأليف الحكومة بعد مرور أكثر من شهرين على صدور مرسوم التكليف من دون تمكّن الرئيس المكلّف من تأليف  الحكومة.

٣ - وضع مشاريع القوانين المعجّلة والقوانين المعادة الى المجلس النيابي سنداً للمادتين 57 و58 من الدستور على جدول اعمال اوّل جلسة يعقدها المجلس النيابي بعد ورودها إليه.

٤ - تحديد مهلة دستورية واضحة لرئيس الحكومة والوزراء لتوقيع المراسيم، ولتلك الصادرة عن مجلس الوزراء، أسوةً بالمهل الدستورية المطلوب من رئيس الجمهورية ممارسة صلاحياته من ضمنها كالمواد 56 و57 من الدستور.
ه
٥ - تعديل الاكثرية الواجب اعتمادها في مجلس الوزراء، عند اعادة النظر في اي قرار بناء على طلب رئيس الجمهورية، سنداً للمادة 56 من الدستور، بحيث تصبح اكثرية الثلثين بدلاً من اكثرية الحضور.

٦- تعديل الاكثرية الواجب اعتمادها في المجلس النيابي، عندما يعيد هذا الاخير النظر في القانون الذي ردّه رئيس الجمهورية اليه، سنداً للمادة 57 من الدستور، بحيث تصبح الاكثرية الواجب اعتمادها، ثلثا النواب الذين يشكلون عدد اعضاء المجلس النيابي وليس الاكثرية المطلقة من عدد اعضاء المجلس النيابي.

٧ - إعطاء رئيس الجمهورية حقّ دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، سنداً للمادة 53 من الدستور وذلك عند وجود الظروف الاستثنائية التي تبرر ذلك.

٨ - تحديد الحالات التي يفقد فيها كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء شرعيته لمخالفته الفقرة "ي" من مقدمة الدستور، والتدابير الدستورية لإعادة تكوينه، هذه هي ابرز التعديلات.

إن أي حكم جديد، سوف يواجه العقبات والصعوبات نفسها التي اعترضت عمل المؤسسات في خلال السنوات المنصرمة، ما يقتضي معالجة الثغرات الدستورية المعطّلة للنظام، كمشروع إصلاحي يحمل صفة الاولوية. وفي مثل هذا الاصلاح مصلحة لبنانية صرفة خصوصاً وأنه لا يطرح من منطلق تنازع الصلاحيات، بل يهدف الى توزيع المسؤوليات بصورة متكاملة وسليمة.

هذه الإصلاحات البنيوية في تركيبة النظام السياسي والدستوري اللّبناني، يجب على رئيس الجمهورية الجديد، وفريق عمله، أن يعملا على إدخالها في صلب البرنامج الرئاسي العتيد، لتستقيم الحياة السياسية وعمل المؤسسات، ونكون نضع اللّبنة الأولى لبناء دولة فعلية وعصرية.