بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 شباط 2024 12:01ص الإقليم ينبض على إيقاع غزة

حجم الخط
تستمر حرب إسرائيل على غزة وتتخذ منذ أول يوم فيها قبل أربعة أشهر مضت، شكل الإبادة الجماعية والتدمير المنهجي لكل مقومات الحياة فيها، ويستمر العنف المنهجي الإسرائيلي لإجلاء قسري لأكثر من مليوني فلسطيني الى أقصى جنوب القطاع حيث يتجمع في منطقة رفح حوالي مليون ونصف مليون نازح، يعانون من شظف العيش في خيام من نايلون لا تحمي لا من برد الشتاء، ولا من عصف الرياح، ولا تقي من بلل الأمطار، ولا تتصل بأي نوع من خدمات الماء والكهرباء وتأمين الغذاء والصرف الصحي.
لا تقتصر كارثة غزة على فلسطين وشعبها، والتي تصرّ حكومة اليمين الإسرائيلي على صناعتها وادامتها وتمديد زمانها ومكانها، بل يمتد الخراب سيارا ودوارا على دول الإقليم والمنطقة، من لبنان الذي اشتعلت جبهة جنوبه، مع كيان العدو، بعد أن قرر حزب الله بنفسه فتح جبهة اسناد ومشاغلة في اليوم الثاني لـ «طوفان الأقصى»، فكان أن تحوّلت قرى الجنوب الأمامية الى ساحات وغى، تنطلق منها حمم النار والدمار، وتصبّ فوق رؤوس سكانها ومواطنيها أحقاد القذائف الإسرائيلية التي تتقصد تدمير الحياة اليومية، وتشلّ نشاط من تبقى صامدا من السكان، فيما تزداد أعداد النازحين من هذه القرى لتبلغ ٧٠ ألف نازح يشغلون مراكز إيواء في منطقة صور والنبطية...
ويطال الخراب يمن الحوثيين الذي أعلن حصارا بحريا لموانئ إسرائيل، ردّا على حصار إسرائيل لسكان القطاع وحرمانهم من الغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود،  والذي توالت عليه حملات القصف الجوية الأميركية والبريطانية في محاولة لثنيه عن تهديد الملاحة البحرية عبر باب المندب والبحر الأحمر، وبعد ان كان حصار الحوثيين محصورا باستهداف السفن الإسرائيلية او تلك المتوجهة الى موانئ إسرائيل، أدّت العمليات الحربية الأميركية والبريطانية الى توسيع نطاق الحصار المفروض من الحوثيين ليطال سفنا بريطانية وأميركية تجارية وعسكرية على السواء...
أما في العراق فقد قامت فصائل الحشد الشعبي فيه باستهداف القواعد الأميركية في العراق وسورية وأخيرا الأردن بمئات العمليات العسكرية، وأدّت العملية الأخيرة منها الى مقتل ٣ جنود أميركيين وجرح ٣٤ جنديا آخر...
وهو ما استدعى ردّا أميركيا أوليا بقصف ٨٥ هدفا في سبع مناطق عراقية وسورية، لما أسمته وزارة الدفاع الأميركية مراكز تابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وهي تسمية لها دلالاتها، من أن الكيان المستهدف هو إيراني حتى لو كان كل أفراده وقتلاه ليسوا كذلك، لان إيران حرصت على انسحاب ضباطها ومستشاريها من المواقع المستهدفة قبل قصفها، وحرصت على الإعلان عن عدم إصابة أي من عسكرييها في القصف الأميركي على الحدود العراقية - السورية.
ولعل أكثر ما يثير التساؤل والدهشة هو كيف تم اعتبار هجوم ميليشيات الحشد الشعبي، على القواعد الأميركية في سورية والعراق، ورفع شعار انسحاب القوات الأميركية من العراق وسورية، كمطلب يحقق مصلحة المقاومة في غزة، في حين ان هذا الانسحاب للقوات الأميركية هو مطلب إيراني سعت إليه طهران قبل طوفان الأقصى ورفعت الصوت لتنفيذه وإلزام ميليشيات العراق بتبنيه، اثر اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في مطار بغداد إبان عهد الرئيس الأميركي ترامب!؟ فكيف أصبح الهدف الإيراني مكسبا فلسطينيا وجب انجازه!؟
 وكيف تم اعتبار قتل جنود أميركيين في الأردن هو وسيلة دفاع وعون لمقاومة غزة..!؟
وعلى الرغم من انه بدا، في الأسابيع الأولى للحرب، ان أميركا تحرص على حصر النزاع في غزة وتسعى لتجنّب إندلاع حرب اقليمية تشمل إيران، إلّا أن تداعيات الصراع أدّت الى اتساع الحرب وتورط أطراف اقليمية ودولية فيها، وذلك بسبب من هواية أغلب الأطراف الفاعلة الى اللعب على حافة الهاوية.
لقد سعت إيران للتنصل من كل حلفائها، والى إعلان حلف الممانعة كعقد انفرطت حباته بعد انقطاع الخيط الذي يجمعه، و هو حلف طالما تغنّت بوحدته وتماسكه، وانتظامه بغرفة عمليات مشتركة، وبامرة واحدة تجمع ساحات المواجهة، فبعد عملية «طوفان الأقصى» تنصلت إيران من غزة ومقاومتها وأنكرت أي علم مسبق بعمليات التحضير للعملية والاعداد لها، ونفت علمها المسبق بتاريخ تنفيذها، وأكدت انها عملية فلسطينية صافية تخطيطا وتنفيذا وتوقيتا، وتبرع السيد نصرالله في تأكيد براءة أطراف المحور كافة من إثم طوفان الأقصى ومسؤولياته، وأعفى سورية الأسد من أي واجبات دعم قد يتراءى للبعض أن يطالبها بها، وتكرر الانكار ذاته بالنسبة لبدء الحوثيين لعملياتهم في محيط باب المندب، فالممانعة حسب آخر نسخة من مزاعمها، هي حلف يتالف من حلقات منفصلة، وتتمتع كل حلقة باستقلالية تامة يجعل تكتيكاتها وعملياتها مستقلة عن مصالح طهران وتعليماتها ورغباتها، أما علاقة طهران بميليشيات الحشد الشعبي العراقية وفصائلها التي تتمركز على الأرض السورية، فهي علاقة تساكن وتجاور، من السهل انفكاكها، وذلك بانسحاب العسكريين الإيرانيين الى بلادهم، وترك أفراد الميليشيات من عراقيين وسوريين وأفغان وباكستانيين، لمصائرهم في مواجهة الغارات الجوية التي تشنّها طائرات الـ B1 الأميركية... 
لم يقتصر الانكار والتنصّل الإيراني على العلاقة بالميليشيات، بل طال الحكومات أيضا؛ فالرئيس الإيراني سرعان ما إنضوي تحت عباءة القمة الإسلامية العربية، المنعقدة في الرياض، وتبنّى سقف مطالبها وصياغات بياناتها، والحكومة العراقية هددت بتقديم شكوى الى مجلس الأمن ضد إيران بعد قصفها مدينة اربيل في كردستان العراق، كما أدانت الغارات الأميركية على مدينة القائم في الانبار، وهي حكومة هالها وأرعبها تفجر الصراع بين أميركا وإيران لكونها ثمرة اتفاق بينهما...
أما في لبنان الذي شهد زيارات عدد من وزراء الدول الغربية لربوعه، فمعروض عليه الاختيار بين حرب إسرائيلية يشنها الجيش الإسرائيلي بموازاة حرب غزة ويكون هدفها ابعاد مقاتلي حزب الله عن الحدود الدولية الى ما وراء نهر الليطاني وذلك لتأمين عودة المستوطنين اليهود الى المستوطنات في شمال كيان العدو، واما السير بحل ديبلوماسي يلبّي المتطلبات الأمنية الإسرائيلية ويلزم حزب الله بتنفيذ مندرجات القرار الدولي رقم ١٧٠١. وتتضمن مبادرة هوكشتاين وكاميرون في هذا الخصوص ترسيما للحدود البرية والعودة لخط الهدنة المتفق عليه سنة ١٩٤٩ بين لبنان وإسرائيل، واقامة سلسلة من أبراج المراقبة التقنية على حدود لبنان وتفعيلا لانتشار الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة في منطقة عمليات القوات الدولية.
ويعاني لبنان مأزقا حقيقيا لعدم قدرة حكومته على تجاوز موقف حزب الله، الذي يربط أي حل على الجبهة اللبنانية بنهاية الحرب في غزة، فيما تعد حكومة إسرائيل جيشها للهجوم على مدينة رفح، مع ما يحمله الخيار الإسرائيلي هذا، من تصعيد وتهجير أهالي غزة الى شبه جزيرة سيناء، وهو أمر لو حدث، سيؤدي الى انفلات العنف على كل جبهات المواجهة في الاقليم، وستشهد المنطقة توسيع المواجهة الى حروب اقليمية غير مسبوقة...
وعلى الرغم من نجاح إيران لتاريخه في التأرجح بين الصبر الاستراتيجي والتنصل التكتيكي من أذرعتها، فإن غزة اليوم هي مفتاح سلام المنطقة واستقرارها، كما هي أيضا باب الجحيم الآتي تدرجاً عبر تصعيد متبادل بين حكومة اليمين الإسرائيلي وكتائب القسام، والفشل في الإتفاق على هدنة بين الطرفين تؤدي الى وقف شامل لاطلاق النار، سيدفع اطرافا اقليمية ودولية الى الإنخراط ولو مكرهين في حرب تلهب كل دول المنطقة.
لا يحتجز السنوار في غزة جنودا صهاينة فقط، بل يحتجز كل خيارات اطراف الممانعة ويستدرجها الى أجندته ويجعل من أولوياته الفلسطينية أولويات لكل أطراف المنطقة.