بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الأول 2019 06:20ص الصهيونية ترسم الحدود الجنوبية للبنان

حدودنا الجنوبية عُرضة للمنظمات الصهيونية - انقذوها حدودنا الجنوبية عُرضة للمنظمات الصهيونية - انقذوها
حجم الخط
 لقد لعبت المنظمة الصهيونية العالمية ، خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، دوراً رئيسياً في تنفيذ مؤامرة «سايكس-بيكو» (عام 1916) وما تلاها (وعد بلفور عام 1917)، فهي التي اوحت للدولتين الكبريين، في ذلك الزمن، إنكلترا وفرنسا، بهذا التقسيم، بغية إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، وهي التي حرصت، خلال المباحثات المتعلقة بهذا الأمر، على أن يقتصر لبنان على «مناطق المتصرفية» دون سواها، ولما لم تتمكن من اقناع فرنسا، الدولة التي ستنتدب على لبنان بعد انتهاء الحرب، حاولت ان تكون الحدود الشمالية لفلسطين عند حدود صيدا، بحيث تضم مجرى الليطاني، ولكنها فشلت في ذلك أيضاً، إلا أنها نجحت في تضمين «صك الانتداب» البريطاني على فلسطين نصاً يوصي بأن «تكفل» الدولة المنتدبة «إنشاء الوطن القومي اليهودي» في هذا الجزء من «سوريا الطبيعية». 

وكانت «المنظمة الصهيونية العالمية» قد طالبت هاتين الدولتين الكبريين، في اثناء بحثهما بمصير بلاد الشام، بعد انتهاء الحرب (خلافاً لوعود مكماهون للشريف حسين قبيل ثورته على السلطنة العثمانية عام 1916)، بأن تسير حدود فلسطين وفقاً لما يلي: «تبدأ، في الشمال، عند نقطة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بجوار مدينة صيدا، وتتبع مفارق المياه عند تلال سلسلة جبال لبنان حتى تصل الى جسر القرعون، فتتجه منه الى البيرة، متبعة الخط الفاصل بين حوضي وادي القرعون ووادي التيم، ثم تسير في خط جنوبي متبعة الخط الفارق بين المنحدرات الشرقية والغربية لجبل الشيخ (حرمون) حتى جوار بيت جن، وتتجه منها شرقاً بمحاذاة مفارق المياه الشمالية لنهر مغنية، حتى تقترب من خط سكة حديد الحجاز، الى الغرب منه» ولكن فرنسا قاومت ذلك فرست الحدود الجنوبية للبنان على ما هي عليه اليوم.

ونجد في المحفوظات الفرنسية تقريراً  يؤكد ما ذهبنا إليه، وذلك في رسالة بعث بها رئيس مجلس الوزراء الفرنسي، وزير الخارجية (الكسندر ميللران)، الى الجنرال غورو، المفوض السامي الفرنسي في سوريا، بتاريخ 14 أيار/مايو عام 1920، وقد جاء في الرسالة ما يلي:

«في برقيتنا رقم 300 (23 آذار)، كنت قد أعلمتكم أن التصحيح المرتقب لحدود فلسطين لا يطال لا صور ولا حوران، المناطق التي اشرتم الى أهميتها.

«يشرفني أن أوضح لكم، فيما يلي، الحدود التي اتفقت عليها كل من فرنسا وانكلترا في سان ريمون» وكذلك النقاط التي يجب الاتفاق عليها.

«إن الخارطة التي استخدمت لترسيم الحدود موجودة في الصفحة 16 من أطلس فلسطين لآدم سميث، كما توجد، كذلك خارطة منفصلة مقياس 253440/01.

«ينطلق الخط من البحر المتوسط في نقطة تقع على نحو 5 كلم جنوب صور، ويشار إليها، «برأس العين» على الخارطة، وتتجه نحو حانا (Hana) (حناويه أو قانا؟)، مجتازة «وادي عاشور» في نقطة «مزراح» (Mezrah) (مزرعة مشرف؟)، ثم تحاذي «وادي الماء» تاركة طورون (تبنين) في الجنوب. ثم تجتاز وادي السلوقي شمال شقرا، ثم تصل، في جنوب «بيت رحوب» (Bet Rehob)، الى الخط الفاصل بين مياه الأردن وحوض الليطاني، ويبقى هذا الحوض الأخير لنا (أي للبنان) كاملاً، وعندها يتبع الخط القمة نحو الشمال ليصل الى مستوى منعطف الليطاني، ثم يتجه، بعد ذلك، بخط مستقيم نحو القمة الأقصى جنوباً في جبل حرمون حيث تبقى مرتفعاته في سوريا. ثم يمر هذا الخط على مسافة 8 كلم تقريباً شمال نقطة «دان» التوراتية حسب الأطلس نفسه. وهكذا نبقى ضمن العبارات التي يستخدمها السيد لويد جورج تجاه الصهاينة وفي مجلس العموم، يعني فلسطين، في حدودها التاريخية، من دان الى بئر السبع. ومن البحر الى القمة الأقصى جنوباً من جبل حرمون، تعتبر الحدود التي سبق ذكرها نهائية، علماً بأنها لم تكرّس باتفاق خطي. وبعد حرمون، لم ترسم حدود فلسطين بعد. وفي رأينا، لا يمكن لهذه الحدود أن تحيد عن خط مستقيم شمال-جنوب انطلاقاً من قمة حرمون حتى التقاء هذا الخط بخط سايكس-بيكو. ولم تقبل الحكومة البريطانية، حتى اليوم، هذا الترسيم، بل أبدت رغبتها بأن ينحرف هذا الخط نحو الشرق بحيث يشمل، إذا أمكن، وفي منطقته، وادي اليرموك والخط الحديدي حتى درعا. وفي كل حال، لن نحقق هذه الرغبة.

و«في الجنوب، وبعد مناقشات طويلة، رفعت حدود فلسطين حتى دان، حيث ثُبّتت من سفح الخاصرة الجنوبية لحرمون حتى بحيرة طبريا، مقتربة كثيراً من خط حدود سايكس-بيكو». (برقية 594 تاريخ 13 حزيران-ديبلوماسية).

(انتهى التقرير)

ويؤكد هذا ما ذهبنا إليه، في مطلع هذا المقال، وهو أن الحدود الجنوبية للبنان كانت عرضة لمنازعات حامية بين المنظمة الصهيونية العالمية، تدعمها بريطانيا، من جهة، وبين فرنسا التي حرصت على ان تحتفظ للبنان ببعض المناطق التي طمع الصهاينة بضمها الى فلسطين لكي تصبح، فيما بعد، ضمن دولتهم.

وبعد، من يستطيع ان يضمن عدم عودة الصهاينة الى اجترار اطماعهم القديمة، حتى ولو قام سلام (لا بد من ان يكون هشاً) بيننا وبينهم؟



(1) راجع التفاصيل في كتابنا: مؤامرة الغرب على العرب، ص 29-51 (الفصلين: اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور).

(2) وتتابع المذكرة (التي رفتها المنظمة الصهيونية العالمية الى مؤتمر الصلح) لترسم باقي حدود فلسطين شرقاً وجنوباً وغرباً، كما يلي:

«ويحدها، شرقاً، خط يسير بمحاذاة سكة حديد الحجاز والى الغرب منه، حتى تنتهي بخليج العقبة. 

«وجنوباً، حدود يجري الاتفاق عليها مع الحكومة المصرية.»

«وغرباً، البحر الأبيض المتوسط» (كتابنا: مؤامرة الغرب على العرب، ص 35-36 و: مؤسسة الدراسات الفلسطينية وقيادة الجيش اللبناني، القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني، ص 76).

(3) محفوظات المصلحة التاريخية لجيش البر الفرنسي بفنسين (Vincennes Service historique de l`Armée de Terre)

(4) الوثيقة رقم (33) من المجلد الرابع عشر من «موسوعة التاريخ اللبناني» للمؤلف.