بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 نيسان 2023 11:41م الصين تخلع القفازات الاقتصادية

حجم الخط

أثمرت الوساطة الصينية في إخراج اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، في أول ظهور علني صيني على الساحة السياسية العالمية والشرق أوسطية تحديداً بعد عقود من انطباع الصين بالقوة الاقتصادية وظهورها كمنافس حقيقي للولايات المتحدة الأميركية في هذا المجال.

ولعل الصين قد بدأت في إعادة تعريف سياستها الخارجية في سبعينيات القرن العشرين، بعد عزلتها وتشدّدها في أواخر الستينيات، فكانت الدعوة إلى تغيير جذري في هيكل القوة العالمية وخاصة الدعوة إلى «نظام اقتصادي دولي جديد» المكوّن الأساسي لسياسة الصين التي اعتمدت سلسلة من الاصلاحات الاقتصادية كان من شأنها فتح الطرق التجارية والسماح بالاستثمارات والسعي للحصول على المساعدة التقنية والقروض الأجنبية.

كانت الانطلاقة الكبرى للاقتصاد الصيني في تسعينيات القرن العشرين، حيث بلغت نسبة نمو الاقتصاد الصيني مستويات قياسية. وانضمت إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001 مما منح اقتصادها دفعة اضافية ما أدى الى انخفاض التعريفات الجمركية المفروضة على المنتجات الصينية، وكانت النتيجة هي انتشار تلك السلع في شتى أنحاء المعمورة، وبلغت

القوة الاقتصادية للصين تتفاقم مع بدء الألفية الجديدة حيث خططت لتأسيس جبهة جديدة في مجال التنمية الاقتصادية العالمية عبر تمويلها لمشروع بنى تحتية أطلقت عليه اسم "مبادرة الحزام والطريق".

اعتمدت الصين سياسة فتح الأسواق الخارجية تسهيلاً لتسويق منتجاتها، لتبدأ مساراً من التوسّع في افريقيا وأوروبا وآسيا، ما فتح المجال لصراع اقتصادي بينها وبين والولايات المتحدة الأميركية.

مع اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية وانشغال روسيا بها والعقوبات التي فرضها الغرب عليها، بدأت الصين في لعب أدوار تتخطى الإطار الاقتصادي في محاولة لملء فراغ قد تتركه روسيا على صعيد الصراع مع القطب الأمريكي، مستغلّة بذلك علاقات مميزة تربطها مع دول تختلف فيما بينها، لكن يجمعها الارتباط الوثيق بالصين اقتصاديا.

وكانت ذروة نتاج العمل الصيني المستجد اقليمياً الوساطة الناجحة بين السعودية وإيران، حيث اعتبر ذلك أول ظهور صيني خارج الإطار الاقتصادي ،وفي منطقة تعتبر الأهم على الساحة العالمية.

التحوّلات التي تجري في الربع الأول من العام 2023 كبيرة على الصعيد العالمي كما على الصعيد الإقليمي، وهي مرشّحة للتفاعل أكثر وأكثر، بدءاً من الصراع العسكري الدائر في أوكرانيا الى ترتيب الوضع العربي - العربي – والعربي – الإيراني، وصولاً الى تطورات الوضع في الداخل الإسرائيلي مع محاولات حكومة اليمين المتشدّد تصدير أزماتها الى خارج الكيان، هذا فضلاً عن الأوضاع في أوروبا والداخل الأمريكي على أبواب فتح معركة الرئاسة الأميركية والخشية من عودة الرئيس السابق دونالد ترامب الى البيت الأبيض.

أمام هذه التطورات والتحولات، أطلت الصين على الساحة العالمية لأول مرة عبر بوابة الأزمة الأوكرانية، ليمثّل أتفاق بكين نقطة الانطلاق الرئيسية لها خارج الإطار الاقتصادي في مشهد يؤكد وجود تحوّل لدى القيادة السياسية الصينية للعب دور أكثر تأثيراً على الصعيد العالمي دون الاستناد حصراً للدور الاقتصادي والتجاري.

التساؤلات عديدة بعد الدور الصيني المستجد، وتتمحور حول موقف الولايات المتحدة الأميركية بصفتها العملاق الاقتصادي الأكبر وبحكم المنافسة بينها وبين الصين، خاصة بعد الولوج الصيني الى مناطق تعتبر تاريخياً ضمن الأمن القومي الأمريكي، ويضاف الى تلك التساؤلات ترقّب لما ستقوم به الصين من أدوار على الصعيد العالمي، يضاف إليها أسئلة حول الأحادية القطبية والمشروع الأوراسي.

كاتب – باحث سياسي