بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 حزيران 2022 12:06ص المسلمون السنّة في لبنان ليسوا بخير؟

حجم الخط
منذ أكثر من عام تقريبا كتبت مقالا في احدى الصحف اللبنانية؛ بعنوان (المسلمون السنّة في لبنان جرح نازف ومستقبل منشود)، ومن المؤسف والمؤلم ان جرح المسلمين السنّة كان وما زال نازفا؛ ومستقبلهم المنشود في حالة تفتت وإرباك وإحباط وشبه ضياع، وخاصة على اثر تعليق الرئيس سعد الحريري ومعه تيار المستقبل لعملهما السياسي الوطني؛ ونتيجة ما أسفرت عنها نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في العاصمة بيروت، وفي بعض المناطق اللبنانيه؛ وتؤكد الوقائع عمليا ان الجرح النازف للمسلمين، توسّع وتمدّد حتى أضحى استهدافا لهم ديمغرافيا على الأرض والوجود، وسياسيا في المجلس النيابي وكتله ولجانه التشريعية، وفي الحكومة ووزرائها ووزاراتها السيادية منها والثانوية، ووظائفيا في الوزارات والمصالح المستقلة وحتى في هيكلية البنك المركزي ودوائره وأقسامه؛ وبعدها تهميشا لدورهم ورسالتهم الإيمانية والعربية التي حملوها، ويحملونها كمسلمين سنّة وطنيا وعربيا منذ أمد بعيد؛ والجرح يستمر في عمقه دما ودموعا ونزفا وتغييرا للبنان الصيغة والميثاق الذي نعرفه؛ حتى كاد لبنان في هذه الأيام الصعبة، وفي عهد رئيسه القوي والرئيس الظل فيه، لا يشبه بيئته اللبنانية إطلاقا، ولا ينسجم مع حاضنته العربية نهائيا وربما معاديا لها.
أفرزت الانتخابات النيابية الأخيرة المزيد من التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر؛ وتناغما متقطعا موسميا ومرحليا مع حركة أمل كإحدى طرفي الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل؛ وبات المشهد السياسي على الساحة اللبنانية، واضح المعالم والخيارات، رغم الأكثرية النيابية المتحركة، وشبه التعادل الثابت، بين النواب السياديين والتغييريين والمستقلين من جهة، ونواب تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفائهما من جهة أخرى؛ والتوافقات والصفقات، بين الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر على انتخاب رئاسة المجلس النيابي ونائبه ولجانه التشريعية؛ وتردّد وضياع النواب التغييرين ومعهم بعض النواب المستقلين، تؤكّد وتشير الى ان من سيتولّى رئاسة مجلس الوزراء سيكون أسير خيارات ومصالح تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفائهما؛ ومخالفة الدستور ومضمون وثيقة الطائف عمدا بتأخير الرئيس ميشال عون وجبران باسيل الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، رسالة واضحة بان إرادة المسلمين السنّة ونوابهم خارج المعادله السياسية في لبنان؛ وهم (شاهد ما شافش حاجه) وان من سيختار رئيس الحكومة المقبلة وحتى وزرائها وبرنامجها وبيانها السياسي، هما الثنائي حزب الله والتيار الوطني الحر (السيد حسن نصرالله والرئيس الظل جبران باسيل)؛ بعيدا عن الاستشارات النيابية الملزمة بنتائجها لرئيس الجمهورية؛ كما هو مضمون وثيقة الطائف؛ ويؤكد ذلك مواصفات وشروط الرئيس الظل جبران باسيل المسرّبة لكل من تسوّل له نفسه الإقدام على تشكيل الحكومة القادمة؛ ومنها الاستحواذ على وزارات معينة؛ واستمرار احتلال جبران باسيل لوزارة الطاقة التي أوصلت العتمة والظلام الى كل بلدة ومدينة في لبنان، وما زالت مستمرة في نكران الواقع، والانفصال عن الذات، ومتجاهلة لضياع 46 مليار دولار أميركي إكراما لخاطر عيون الصهر الطفل المعجزة؛ وبعد هذا وذاك يتساءل المسلمون السنّة في مجالسهم الخاصة؛ الى متى سيبقى هذا الاستهداف المنظّم والمبرمج لهويتهم الوطنية والإسلامية؟ والى متى ستبقى مناطقهم حصرا، وفي طرابلس وعكار والشمال تحديدا، حقل تجارب لتطبيق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء؟ وتهمة الارهاب والدعوشة؛ جاهزة ليلا ونهارا، وسيفا مسلّطا على الرقاب؛ وسجن رومية مهيّئ لاستضافتهم الطويلة وبلا محاكمات سنوات وسنوات؛ في الوقت الذي يسرح ويمرح الآخرون من بني وطنهم باستعلاء، بكل أنواع الممنوعات والمخالفات والتجاوزات على الأملاك العامة والخاصة، وحتى حمل وتجارة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة بحجج واهية، وادّعاءات محلية واقليمية فارغة.
المسلمون السنّة في لبنان حسموا خيارهم باتجاه السعي لبناء الدولة اللبنانية الوطنية العادلة؛ وسقط لديهم ومنهم قيادات سياسية ودينية كبيرة، ليبقى لبنان سيدا حرا عربيا مستقلا، ومؤكدين بأن ليس لديهم مشروعا خارج إطار الدولة ومؤسساتها؛ في حين ان العديد من القوى السياسية الأخرى لديها مربعاتها الأمنية ودويلتها وسلاحها وقوانينها الخاصة وتحالفاتها الخارجية، وحتى سجونها ومستودعات سلاحها وصواريخها؛ وتمارس ازدواجيتها بمقولة (ما لنا، لنا وحدنا؛ وما لكم، لنا ولكم) وما خُفي أعظم؛ ومن أجل ذلك، ترى المصادر المطّلعة والمتابعون والمراقبون، وأهل الرأي، بأن المسلمين السنّة في لبنان ليسوا بخير؛ ومعهم لبنان كله كذلك ليس بخير.
* رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام