بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 نيسان 2020 12:02ص المطلوب عاجلاً إجراء تدقيق استقصائي جنائي لحسابات مصرف لبنان

حجم الخط
بالنظر لغموض الأوضاع المالية لمصرف لبنان وإتجاه الحكومة إلى تعيين شركة تدقيق خاصة تقوم بتدقيق حساباته، ولمختلف الأرقام والتخمينات التي تتداولها وسائل الإعلام دون أن تستند إلى معطيات عملية ومعلومات دقيقة مستمدة مباشرة من حسابات المصرف، وللإتجاه لتحميل المودعين سواء مباشرة أو بصورة غير مباشرة عبء كل نقص في موجودات المصارف وعلى رأسها مصرف لبنان وكأنهم هم الذين بددوا أو اختلسوا أموالهم وفي طليعتها ما يبينه آخر بيان وضع لمصرف لبنان كما في 15 آذار 2020 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 13 تاريخ 26/3/2020 من أن لديه في ذات التاريخ بالعملات الأجنبية 30 مليار دولار أميركي مقابل ودائع تلقاها من القطاعين المالي والحكومي نقداً بمبلغ 178 ألف مليار ليرة لبنانية مما يعادل 118 مليار دولار أميركي، فإنني أجد نفسي مضطراً لأن أكشف بعض الحقائق التي نشأت عنها الأوضاع المالية المذكورة والتي يجب أن تكون معروفة للجميع وخاصة للحكومة كي تقوم بواجباتها على نحو علمي منهجي صحيح.

وأبدأ بتأييد فكرة أن تتولى تدقيق حسابات مصرف لبنان شركة مختصة في نوع التدقيق المطلوب الذي لا يجوز أن يكون على نمط المعايير الحسابية الدولية، بل يجب أن يكون التدقيق المطلوب من النوع الإستقصائي investigative auditing الذي يهدف إلى كشف المخالفات المالية والقانونية ومتابعة حركة الأموال والأصول التي تدخل إلى المؤسسة موضوع التدقيق أو تخرج منها لمعرفة مصيرها ولا سيّما ما إذا ما تمّ التصرف بها على سبيل الإحتيال أو الإختلاس أو إساءة إدارة النشاط المالي والعملاني للمؤسسة المذكورة. ويهدف التدقيق إلى إظهار ما تمّ إرتكابه من الأفعال الجرمية والتثبت من الأدلة الجرمية لإستعمالها قضائياً مما يؤلف في ذات الوقت ما يسمى forensic auditing وهذا الإختصاص معروف وموجود عالمياً وتأخذ المحاكم بنتائجه.

وان ما يحملني على تقديم هذا الإقتراح هو أنني قمت بمراجعة قانون النقد والتسليف وقانون التجارة وقانون العقوبات كما استقصيت بعض المعلومات من مصادر موثوقة فتبيّن لي الآتي:

أقام قانون النقد والتسليف مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان مهمتها الرئيسية مراقبة حساباته والقرارات التي تصدر عن حاكمه ومجلسه المركزي مع حق الإعتراض عليها ووقف تنفيذها. ووضع نظام المفوضية المذكورة ملاكاً لها يتألف من 13 موظفاً دائماً يمكن تعزيزهم عن طريق التعاقد بخبير واحد لا غير. وتتألف دائرة الرقابة والتدقيق فيها من رئيس ومحاسب واحد وكاتب! وقد صدر الملاك ضمن المرسوم رقم 16400 تاريخ 22/5/1964 الخاص بتنظيم المفوضية المذكورة.

وبالطبع فإن الملاك المذكور غير كاف على الإطلاق للقيام بمهام المفوضية. ومع ذلك فإنه لم يتم ملؤه أبداً وهو اليوم فارغ تماماً وليس هناك من مدير عام مفوض للحكومة أصيل منذ العام 2015 بل هناك مفوض للحكومة بالوكالة لا يعاونه أحد.

ومع تمويت مفوضية الحكومة وإفراغها وإعتبارها بحكم غير الموجودة فإن حاكم المصرف المركزي استعاض عنها بالتعاقد مع مكتب تدقيق أميركي عالمي هو ديلويت أند توش مقابل بدلات أتعاب ضخمة بالنظر لعدد مدققي الحسابات الذين ينتدبهم المكتب المذكور للقيام بمهامه (مقابل محاسب واحد لم يتم تعيينه لدى مفوضية الحكومة). وهذا المكتب يصدر تقريراً سنوياً يرفعه إلى الحاكم ومن الواجب أن يتم تزويد وزير المالية بنسخة عنه فور صدوره. وان تقرير مراقب الحسابات يتضمن إيضاحات عن كل من بنود الميزانية وحساب الأرباح والخسائر.

أما لجهة واجب نشر ميزانية مصرف لبنان وتقريره السنويين في الجريدة الرسمية خلال الشهر الذي يلي تقديمها إلى وزارة المالية كما نصت عليه المادة 117 من قانون النقد والتسليف فقد تبيّن لي من تدقيق أعداد الجريدة الرسمية عن عامي 2018 و 2019 انه لم يتم نشر الميزانية السنوية فيها بل تمّ نشر التقرير السنوي مرتين.

وبالإطلاع على التقرير السنوي لمصرف لبنان عن العام 2017 المنشور في العدد 29 من الجريدة الرسمية تاريخ 28/6/2018 والتقرير السنوي عن العام 2018 المنشور في العدد 31 من الجريدة الرسمية تاريخ 20/6/2019، (لم يحن بعد أوان نشر التقرير عن العام 2019) و 31 بيان وضع موجز متتال ومنشور له، تبينت لي بعض الأمور بالإستناد إلى ما تعلمته من دروس المحاسبة التي تلقيتها في الجامعة الأميركية ضمن برنامج إدارة الإعلام التي حصلت منها على شهادة الماجستير فيه MBA، بالإضافة إلى ما تعلمته في الدراسات العليا في علم القانون، ولخبرتي كمحام ممارس وبالنظر لأنه لم يتسنَّ لي الإطلاع على ميزانيات مصرف لبنان عن الاعوام 2017 – 2019 أو على التقارير التي أعدها مكتب ديلويت أند توش فقد وجدت أموراً ملتبسة وغير واضحة وقد تتولد عنها بعد التدقيق الإستقصائي والجنائي الذي اقترحه شبهات موثقة أو توضيحات كافية أو غير كافية لتبرئة الذمة.

لا سيّما وأنه من الساطع أن المصارف اللبنانية كافة قد توقفت بصورة علنية ومشهودة عن ردّ الودائع لديها إلى أصحابها كما توجب المادة 307 تجارة مما يؤلف جرم إساءة الإئتمان الذي تنص عليه المادة 670 من قانون العقوبات ويوجب على النيابات العامة الإستئنافية المختصة عملاً بالمادة 310 من قانون الأصول الجزائية التحرك عفواً لمتابعتها وعلى قضاة التحقيق المختصين عملاً بالمادة 55 من القانون المذكور أن يباشروا التحقيق فيها عفواً ودون طلب من النائب العام.

علماً بأن المادة 13 من قانون النقد والتسليف تعتبر مصرف لبنان تاجراً في علاقته مع الغير ويجري عملياته وينظم حساباته وفقاً للقواعد التجارية والمصرفية وللعرف التجاري والمصرفي ويطبق عليه قانون التجارة ما عدا التسجيل في السجل التجاري. وتعود لمحاكم بيروت دون سواها صلاحية النظر في جميع النزاعات بين المصرف والغير. وهو شخص معنوي يتمتع بالإستقلال المالي. ولا يتمتع حاكمه وسائر العاملين فيه بأية حصانة بل يخضعون جميعاً لقانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية وسائر القوانين النافذة.

وان الأمور التي تبينت لي لا تقطع بإدانة أحد أو براءة ذمته لكنها كافية لإيجاب السير فوراً في التحقيق عن طريق أحد مكاتب التدقيق العالمية المختصة بالتدقيق الإستقصائي والجنائي. ويجب إنتقاء المكتب المطلوب بواسطة مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان، بعد دراسة أوضاع كل المكاتب العالمية المختصة بهذا النوع من التدقيق ودون أن تكون لاحد في لبنان ممن يشتبه في وقوعه في تناقض المصلحة يد في إختياره. وبالطبع فإنه يقتضى عدم إشراك مكتب ديلويت أن توش في هذا المشروع لسبق علاقته بمصرف لبنان. وهذا بعض ما يتبين لي من أمور لا سبيل لإنكارها أو إنكار ما تثيره من شبهات قوية ومبررة.

وعلماً بأن القاعدة في أحكام قانون التجارة المتعلقة بالشركات أن ذمة رئيس وأعضاء مجلس إدارتها تعتبر مشغولة حتى يبرئها المساهمون. وفي الحالة الحاضرة فإن حاكم مصرف لبنان هو رئيس المجلس المركزي له الذي هو بمثابة مجلس إدارة والمساهمون هم سواد الشعب اللبناني ممثلاً بمجلس النواب.

ويتبين من آخر بيان وضع موجز لمصرف لبنان المنشور في العدد 13 من الجريدة الرسمية في 26/3/2020 تحت باب المطلوبات ان لديه كما في 15/3/2020 ودائع من «القطاع المالي» قيمتها 170,693,377 مليار ليرة وودائع من القطاع العام، أي الدولة والمؤسسات العامة بقيمة 7,236,167 مليار ليرة لبنانية فيكون مجموع الودائع في ذمة مصرف لبنان بحسب بيان الوضع المذكور وكما في 15/3/2020 177,924,544 مليار ليرة لبنانية (ما يعادل 118 مليون دولار) وكلها من الأموال السائلة. وأفترض، بإعتماد ذات النسبة التي نصّ عليها تقرير 2018 وهي 82،50%، ان ودائع القطاع المصرفي تعادل 93،414 مليون دولار وأن نسبة الدولرة في ودائع المصارف تناهز 75 %، فيكون مبلغ 70،060 مليون دولار مودعاً من المصارف لدى مصرف لبنان بالدولار. وهو يؤلف نسبة 60% تقريباً من مجموع أموال المودعين بالدولار والمصارف اللبنانية في حين أن مجموع موجودات المصرف المركزي بالدولار كما في 15/3/2020 هو 30،397 مليار دولار ما يوازي 45,824 مليار ليرة لبنانية أي بنقص قدره 60 مليار دولار مما يعني أن أموال المصرف المركزي الخاصة بالدولار هي صفر! ولا يمكن أخذ الذهب بعين الإعتبار لأنه لم يتم شراؤه من أموال الودائع المذكورة بل لا يجوز أصلاً وضعه على ميزانية مصرف لبنان لأنه ليس ملكاً له ومنع القانون رقم 42/86 منعاً مطلقاً من التصرف به مهما كانت طبيعة هذا التصرف إلا بقانون يصدر عن مجلس النواب. وليس في هذا الباب من تسليفات للقطاع العام بل 22،240 ألف مليار تسليفات للقطاع المالي ما يعادل 14،819 مليار دولار وهو يحتوي على محفظة الأوراق المالية سوى اليوروبوند وافترض أنها سندات خزينة الدولة بالليرة اللبنانية. 

بقي في باب الموجودات بندان لا علاقة لهما بالودائع المذكورة وهما موجودات ناتجة عن عمليات مقايضة على أدوات مالية وموجودات أخرى مختلفة تتضمن عمليات السوق المفتوحة وفروقات ‘‘القيمة الإبرائية’’. وهذه الأوصاف ملتبسة ولا تفيد أكثر من قيود دفترية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بودائع القطاع المالي وودائع القطاع العام. وقد تكون تغطية لعمليات غير مشروعة.

وعلماً بأن الودائع في المصارف تخضع لإحتياطي إلزامي مجمد في مصرف لبنان قدره 25% من الودائع تحت الطلب و 15% من الودائع لأجل أي ما متوسطه 20% ويناهز 32 مليار دولار ثلاثة أرباعه بالدولار وربعه بالليرة اللبنانية. لكن بيان الوضع الموجز لا يبين أين قيدت أموال ذلك الإحتياطي الإلزامي!

وعلماً بأن مجموع تسليفات المصارف اللبنانية إلى الزبائن بالدولار كما في شهر شباط 2020، كما تظهرها الأرقام المنشورة، هي أكثر من 30 مليار دولار. يعني أن مجموع أرصدة المصارف من ودائع زبائنها بالدولار الأميركي هو 120 – 30 = 90 مليون دولار تمّ إيداعها كاملة في مصرف لبنان. فهل هذا منطقي ومعقول؟ وأليس هو سبب عجز المصارف عن تلبية طلبات زبائنها رد ودائعهم بالدولار إليهم لأنها أصبحت بكاملها في خزائن مصرف لبنان؟ لكن ماذا فعل مصرف لبنان بها؟ هذا ما آمل أن يكشفه التحقيق الإستقصائي الجنائي.

علماً بأن ودائع المصارف اللبنانية في مصرف لبنان إرتفعت بين العامين 2016 و 2019 بمبلغ 33،630 ألف مليار ليرة أي ما يعادل 22،308 مليار دولار بينما، وفي ذات الفترة، نقصت أرصدته الخارجية أي لدى المصارف الأجنبية بما يعادل 50،066 ألف مليار ليرة لبنانية إلى 45،823 ألف مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل 30،397 مليار دولار أميركي، أي بنقص قدره 2،814 مليار دولار! لكن هذا المبلغ ليس جزءاً من إحتياطي مصرف لبنان بل هو من أموال المصارف المودعة لديه والتي دخلت إليها من أموال المودعين الذين تمتنع عن تسديدهم ودائعهم بمخالفة المادة 307 من قانون التجارة والمادة 670 من قانون العقوبات.

ولا بدّ من إعادة الإشارة إلى مبالغ ملتبسة في بيان الوضع تاريخ 15/3/2020 وتناهز 43،646 ألف مليار ليرة لبنانية تحت عنوان «موجودات أخرى مختلفة» وتمّ تفسيرها في الهامش بعبارة «تتضمن السوق المفتوحة وفروقات القيمة الإبرائية»، ولعلها تغطية لعمليات غير مشروعة.

وبكل إختصار فإنه ليس في الامر من «خسائر» لأن المصارف المركزية لا تبيع ولا تشتري حتى تحقق أرباحاً أو خسائر، لا سيّما وان حسابات الأرباح والخسائر الخاصة بمصرف لبنان غير منشورة.

كما أنه لا بدّ من الإشارة إلى ما يحمله مصرف لبنان من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية. فهو يناهز 45 الف مليار ليرة وقد تجمع هذا المبلغ على مرّ السنين ولا بدّ ان شيئاً منه قد تمّ تحويله من ودائع المصارف التي مولتها ودائع زبائنها من عامة اللبنانيين.

وإن مسألة التدقيق في حسابات مصرف لبنان مستقلة تماماً عن مسألة عجز الخزينة والدين العام وسندات الخزينة. لأننا أمام مسألة إختفاء ودائع المودعين لا سوء إدارة المال العام وما رافقه من تبديد. ولا يجوز إستعمال الأوصاف التي قد تغطي أعمالاً جرمية يطالها القانون قبل إجراء التدقيق الإستقصائي الجنائي على يد مكتب تدقيق إختصاصي وموثوق. ولا بدّ ان يتم ذلك عن طريق الجهة الرسمية ذات الإختصاص وهي مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان مع الترخيص لها أيضاً بالإستعانة بمدققين لبنانيين مختصين بهذا النوع من التدقيق يكونون قد حصلوا على شهاداتهم وخبراتهم خارج لبنان، فيقومون بمواكبة أعمال مكتب التدقيق العالمي المنشود. وبالطبع، وبالنظر لتناقض المصالح الواضح والصريح فإنه من الضروري إجراء التدقيق المطلوب دون أي تدخل من حاكم مصرف لبنان أو معاونيه أو أي من الجهات السياسية بل في إطار مفوضية الدولة فحسب وبعد تعزيزها كما تقدم، وبعد إعطاء بعضهم، بمن فيهم الحاكم، إجازة مفتوحة حتى إنتهاء إعمال التدقيق ومع منعهم من السفر.

وأخيراً، فإنه لا يجوز أبداً الحديث عن حصول ‘‘خسائر’’ لأسباب غير معروفة تحمّل نتائجها لعامة المودعين ودون نشر حسابات الارباح والخسائر السنوية. كما أنه لا يجوز التمييز بينهم فإن حقوقهم ولا سيّما منها الحق في المساواة مضمونة بقانون التجارة وقواعد الإفلاس وقانون العقوبات وأهم من كل ذلك بالمادة 7 من الدستور والمادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.