بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تشرين الثاني 2019 06:08ص النظام اللبناني في مهب موجة الغضب: أيّ مصير ينتظر «المعجزة» اللبنانية؟ (١/٢)

تسونامي ثائر تكلله راية الوطن في ساحة الشهداء تسونامي ثائر تكلله راية الوطن في ساحة الشهداء
حجم الخط
I- لا يكفي التعبير عن الظلم

1 - لا تزال الاعتصامات الجماهرية الغاضبة ناشطة على الاراضي اللبنانية. وقد اتاحت هـــــذه الظاهرة للكثير من الناشطين التعبير عن ما حلّ بهم، أو ما يساورهم الشعور به، من ظلم ووجع حقيقيين. إلا ان هذا التعبير الصادق لم تصاحبه طلبات سوى إزالة اسباب الشكوى التي تم حصرها بإسقاط « النظام « المشكو بإفتراض انه المصدر الوحيد تلك الاسباب. وهذا الاستنتاج غير دقيق. فإن الشكوى من « النظام « لا تكفي ولا تكفي المطالبة بإسقاطه.

2 - ويا حبذا لو أمكن للجماهير الاطلاع على بعض الاسباب الخطيرة للازمة الحقيقية التي هي ايضاً من اسباب معاناتهم بل وتهدد مستقبلهم ومصير البلاد، ومنها اسباب تاريخية ولا يمكن ان تنسب الى « النظام « وحده، وذلك من اجل صياغة مطالب حقيقية في الجوهر تقيهم ما يتربص بهم من شرّ.

3 - فألفُتُ الجماهير الغاضبة، باديء ذي بدء، إلى خمسة أقوال، تعبّر بشكل أو بآخر، إن أضيفت الى شكاويهم، عن أحوال البلاد أو تضيء عليها، وهي:

القول الاول: هو الذي نُسب الى الخبير الهولندي بول فان زيلاند، وهو رئيس وزراء سابق ورجل اقتصاد مشهور في بلاده، وكان تم استدعاؤه اثناء ولاية الرئيس بشارة الخوري لاعطاء مشورة في شأن الاقتصاد اللبناني. وبعد ان مكث في بيروت فترة من الزمن لدراسة ما هو متوافر من معطيات واحصاءات اقتصادية توصل الى ان الارقام تظهر البلاد في حالة شبه افلاس لكنه كان يجابه بالقول ان في لبنان «معجزة» حقيقية لان هناك معطيات لا تشملها الاحصاءات وتثبت أن الاقتصاد الوطني متين وفي حالة ازدهار لا مثيل له. فتوصل يائساً الى اعطاء الحكومة اللبنانية المشورة التالية: لا أعرف ان انصحكم بشيء سوى الاستمرار بفعل ما تفعلونه.

القول الثاني: هو الذي جاء في بيان مشترك صادر عن رئيس الجامعة الاميركية ورئيس الجامعة اليسوعية في 25 تشرين الاول 2019:

«ان ما يعيشه لبنان حالياً هو صرخة وطنية حقيقية، وهي اكبر حركة احتجاج وطنية موحدة منذ العام 1943، صرخة تعبر بعمق عن آلام وحاجات شعبنا ورغبته غير المحدودة في اعادة بناء بلادنا على اسس جديدة.

ان جامعتينا المخلصتين تاريخياً لبناء الكيان اللبناني منذ انشاء لبنان الكبير في العام 1920، لا يمكنهما إلا مشاركة التزام الهيئة التعليمية والطلاب والاداريين والخريجين الذي يشاركون في النضال من أجل حقوق كل اللبنانيين دون استثناء».

القول الثالث: هو ما جاء في مقال حديث تحت عنوان: «الانتفاضة اللبنانية لن تنجح ما دامت النخبة الطائفية هي المسيطرة «نشرته صحيفة الاندبندت للكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك في 28 تشرين الاول 2019، وهو يقيم في بيروت منذ زهاء 40 عاماً، الذي توصل الى ان الوسيلة الوحيدة لانشاء دولة عصرية هو ازالة الطائفية منها بحيث ان أي مواطن يمكنه الوصول الى اي منصب حكومي. اما إذا أُنشئت دولة طائفية فإنها سوف تبقى طائفية. لذا فإن ازالة الطائفية من لبنان سوف تؤدي الى محو دولته من الوجود، لان الطائفية هي هوية لبنان. وجاء ايضاً في مقالة فيسك استنكار ان يكون صهر رئيس الجمهورية زعيماً لحزب سياسي وان يكون رئيس الوزراء ابن رئيس الوزراء الذي سبقه وهكذا دواليك.

القول الرابع: هو ما جاء في رسالة تلقيتها يوم 22 تشرين الاول 2019 من اكاديمي لبناني كبير مقيم في الخارج احتفظ بتسميته:

«اوافقك على ضرورة اعادة دراسة الافكار التي هي من جذور النظام اللبناني. إذ لدينا تكنولوجيا كثيرة تنتج رسوماً جميلة ولكن مع افكار قليلة.

 فليست المسألة فساد السياسيين فحسب بل هي ايضاً فساد الافكار التي اوصلتنا الى ما نحن عليه. فإن النظام يوصف بشكل خاطئ ويساء فهمه ويتم تطبيقه بأسوأ وسيلة ممكنة».

القول الخامس: هو ما جاء في كلمة القاها السيد محمد حسين فضل الله في أوائل التسعينات (لا أدري التاريخ بالضبط):

«اننا نخاف من الناس ان يفكروا، نحن الذين نعتبر انفسنا خطأً او صواباً في مواقع القيادة وفي مواقع المسؤولية في الدين والسياسة والاجتماع. نحن نخاف من الناس ان يفكروا ولذلك فإننا نمنعهم من التفكير ونقول لهم سنقدم لكم الافكار جاهزة مطبوخة فلا تتعبوا انفسكم».

II - دور الجامعتين الاجنبيتين

4 - لا شك ان الجامعتين الاميركية واليسوعية هما أقدم معاهد التعليم العالي في لبنان، وقد اسسهما مبشرون في القرن ما قبل الماضي. وبصرف النظر عن جذورهما الاجنبية الدينية المستمرة فان الجامعتين تعتبران نفسيهما ايضاً، كما يظهر من البيان المذكور، لبنانيتين، إذ يتحدث البيان الصادر بإسميهما عن الآم وحاجات شعبنا ورغبته غير المحدودة في إعادة بناء بلادنا.

5 - ليس ذلك فحسب بل هما يعبران عن دور لهما في بناء الكيان اللبناني منذ إنشاء « لبنان الكبير» في العام 1920. فما هي الافكار التي قدمتاها، إن مباشرة او عن طريق خريجيهما، لبناء الكيان اللبناني منذ إنشائه؟ وهو الكيان الذي نشأت عنه دولة طائفية يمنع قيامها دستور كل من بلديهما الاصليين.

6 - ولماذا التنويه بدورهما ببناء الكيان اللبناني انطلاقاً من «لبنان الكبير»؟ علماً بأن الجامعتين وجدتا بترخيص من الحكومة العثمانية قبل العام 1920 بزمن طويل؟

7 - فمنذ إنشاء «لبنان الكبير» في العام 1920 وحتى اعلان الاستقلال في العام 1943 وبعده وربما حتى اليوم، كان الفكر السائد، بتأثير الجامعتين المذكورتين وخريجيهما، عن تركيبة لبنان الاقتصادية ودوره في الجوار هو ان الجمهورية اللبنانية تؤلف جسراً بين الشرق والغرب ويتمتع اقتصادها الوطني بالحرية الكاملة ويقوم على قطاعي التجارة والخدمات، مما يشمل الاستيراد والترانزيت وتقديم الخدمات المصاحبة لهما، انطلاقاً من « عبقرية « العائلات التجارية اللبنانية. فنشأت عن ذلك « معجزة حقيقية « تتحدى الارقام والاحصاءات لان معظم هذا النشاط، ومنه زراعة وتصدير الحشيش والافيون، والاموال التي يتم تقاضيها على سبيل السمسرة والعمولات، غير مصرح به رسمياً ويدرّ اموالاً لا تُدفع عنها لخزينة الدولة أية ضرائب. وهذا هو مصدر « المعجزة اللبنانية».

8 - وكان المطلوب من الحكومة ان تحمي مصالح التجار، والسماسرة، الكبار منهم والصغار، مع اعطائهم دوراً متعاظماً في الحياة السياسية وعلى سبيل المثال تمويل الحملات الانتخابية. أما اقصى ما كان مطلوباً من الدولة فهو ان تلعب دور شرطي السير.

9 - اما المصارف فإنها كانت ولا تزال في معظمها تجارية أي انها كانت ولا تزال تموّل التجارة الخارجية عن طريق فتح الاعتمادات واعطاء التسليفات للتجار الذين يملكون بضائع في المستودعات. وقد تقلص الفارق بين فئتي المصرفيين والتجار، وكلاهما من رجال الاعمال، فأصبح كثير من التجار مصرفيين. وأصبح بعضهم من السياسيين النافذين. فيكون الواحد منهم سياسياً وتاجراً وصاحب مصرف في آن معاً.

10 - وكان التجار ولا يزالون يستوردون البضائع الاجنبية للاستهلاك المحلي بقيمة تفوق كثيراً قيمة ما تصدره البلاد من الانتاج الوطني، الزراعي منه والصناعي. لكن، ولا بأس، فإن التحويلات المالية كانت تتدفق على البلاد من نشاط التجار وسائر رجال الاعمال والمغتربين مؤقتاً خارج البلاد، ولا ننسى تجار المخدرات، وتسد العجز المالي الناتج عن نقصان ما يصدر عن ما يتم استيراده وكان يتحقق بذلك وفر كبير، ظاهر وخفي، ادى الى ارتفاع قيمة العملة الوطنية بالمقارنة مع العملات الاجنبية، التي كانت تصنف نقداً نادراً، وفي طليعتها الدولار الاميركي.

(للبحث صلة غداً)