بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 حزيران 2019 12:01ص الهند ما بعد الانتخابات

حجم الخط
بدأت الانتخابات العامة في الهند بشعار «جي سري رام» وانتهت بالشعار ذاته، ومعناها النصر للإله رام.

والإله رام هو أحد الآلهة المقدسين لدى الهندوس. ويُعتقد انه ولد في مدينة ايودها حيث أقام فيها أحد الملوك المسلمين مسجداً في القرن السادس عشر، يحمل اسمه «باربي».

ولكن في كانون الأول من عام 1992 قامت مجموعة مسلحة من المتشددين الهندوس بتدمير المسجد بحجة انه يقع في مسقط رأس الإله رام. غير ان المحكمة العليا في الهند لم تحكم حتى الآن بصحة الادعاء. وبالتالي لم تمنح الحزب الهندوسي الحاكم الإذن ببناء معبد بوذي في موقع المسجد المهدم. وتدرك المحكمة العليا ان ما حدث لمسجد باربي سوف يحدث لمسجدين تاريخيين آخرين تعتبر الحركة السياسية الهندوسية - وليس رجال الدين بالضرورة - انهما يشكلان بوجودهما تحدٍ للمشاعر القومية الهندوسية. والمسجدان الآخران هما «فاراناسي» و«ماثورا».

مع ذلك جرت الانتخابات التي فاز فيها حزب رئيس الحكومة نارندرا مودي للمرة الثانية تحت شعار « جي سري رام».

فالمسلمون في الهند الذين يبلغ عددهم 190 مليوناً، ويشكلون 14 بالمائة من السكان، كانوا يشكلون 9.6 من مقاعد البرلمان حتى عام 1980. ولكنهم الآن لا يشغلون سوى 4 بالمائة فقط من مقاعده، فقد تحالفوا مع حزب المؤتمر الذي يتزعمه راوول غاندي حفيد جواهر لال نهرو، أول رئيس حكومة في الهند بعد الاستقلال عن بريطانيا في عام 1947، والابن الأصغر للرئيسة السابقة للهند انديرا غاندي. الا ان راوول فشل، وفشّل معه المسلمين.

وكان نهرو من أقرب السياسيين الى أب الهند الحديثة المهاتما غاندي، والذي قُتل على يد متشدد هندوسي يدعى ناثورام غودس في كانون الثاني من عام 1948 بحجة ان غاندي تآمر مع المسلمين لتقسيم الهند وانه سمح بإنشاء دولة اسلامية (الباكستان) فوق جزء من الأراضي الهندية.

تقوم فلسفة الحزب الهندوسي الفائز بالانتخابات البرلمانية برئاسة زعيمه مودي على ضرورة العمل على ما يسميه «تصحيح صورة الهند»، وذلك بإزالة كل معالم العهود الماضي ورمزياتها. غير ان الدستور الهندي الذي أقر في عام 1950، ينص على ان الهند دولة علمانية تساوي بين جميع مكوناتها الدينية والاجتماعية. ولا يزال هذا النص الدستوري قائماً حتى الآن. ولم تجرِ أي محاولة لتعديله أو تغييره. بل على العكس فان الهند تفاخر بانها أكبر دولة ديمقراطية في العالم (1.2 مليار انسان بينهم 900 مليون ناخب). الا ان أحد مؤسسي الدولة ب.ر. أميدكار قال في عام 1947 (عام الاستقلال): «ان الديموقراطية في الهند هي مجرد رداء خارجي فضفاض يخفي تحته الواقع غير الديموقراطي».

وبالفعل في حزيران من عام 1975 أعلنت رئيسة الحكومة في ذلك الوقت انديرا غاندي - والدة راوول - حالة «الطوارئ المحلية». وفي ظلها جرى اعتقال أعداد كبيرة من السياسيين المعارضين من بينهم زعماء وقادة في الحزب الهندوسي. وفُرضت الرقابة على الصحف ومُنع الكشف أو مجرد الحديث عن عمليات التعقيم القسري التي فرضت في الأرياف لتحديد النسل. يومها تولى ابنها «سانجاي» ادارة تلك العمليات التي تراجعت عنها بعد ذلك. وقد أعاد الحزب الهندوسي التذكير بتلك الوقائع خلال الحملة الانتخابية الأخيرة ليؤكد على ان الديموقراطية في الهند اذا كانت تعاني من خلل ما، فانه مجرد وارث لهذا الخلل وليس صانعاً له.

لقد تراجع نفوذ حزب المؤتمر الذي اسسه نهرو بعد أن منيَ بهزائم متتالية في الانتخابات العامة، بما فيها الانتخابات الأخيرة. ويشغل المسرح السياسي الهندي في الوقت الحاضر الحزب الهندوسي بزعامة رئيس الحكومة مودي.

المسلمون في الهند قلقون. وكذلك المسيحيون. ذلك ان شعار «الهند للهندوس» لم يعد مجرد شعار على الورق. لقد اصبح سياسة واقعية. من هنا أهمية العلاقات العربية والاسلامية مع الهند للمحافظة ليس فقط على الصداقة العربية – الهندية التاريخية، انما للمحافظة على سلامة وحقوق المواطنين المسلمين في دولة كبيرة كانت دولة صديقة على مدى عقود طويلة من الزمن.. ومن المهم العمل على المحافظة على هذه الصداقة.