بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 آذار 2021 12:02ص تحريم الربا.. وتضخم المال

حجم الخط
تطالعنا بين فينة وأخرى بعض المقالات الغربية، التي تدّعي تأييد الاقتصاد الإسلامي، باعتبار أن إلغاء الفائدة على القرض هي جوهره، ولكن، ولكي لا نتجرّع السم مع الدسم لا بد أن نعرف بأن تحريم (ربا المال) هو تحريم للتضخم المالي، أما سعر الفائدة فهو الطعم المستخدم لاصطيادنا، وليتمكن الغزو الثقافي الصهيوني من تحريف كلام الله عن موضعه، ولذلك لا بد أن نفهم اللغة العربية، ونتفكر في جوهر معانيها لنفهم الاقتصاد الإسلامي. كما يجب أن نفهم قانون لافوازييه في عدم اختفاء المادة لندرك الإعجاز العلمي في تحريم التضخم المالي، لأن تقلّص القيمة الشرائية للراتب أو المدخرات لا يعني اختفاءها في الهواء بل يعني أن الثروة انتقلت إلى جيب لص متخفٍّ لا تراه العين ويجب اكتشافه بالعقل.

فكلمة (الربا) في اللغة تعني النمو، وكلمة (زكاة) في اللغة تعني النمو، ولذلك لا بد أن يفهم أهل اللغة العربية الفارق بين نوعين من النمو، أحدهما ركن أساسي من العقيدة والآخر محرّم، وهو المسوّغ الوحيد للإذن بالحرب في القرآن الكريم.

لذلك لا يكفي أن يقول باحث غربي إنّ الإسلام هو الحل لأزمة الرأسمالية، لنتقبل ذلك بفرح ونوافق على البنوك الإسلامية أو على القروض بدون فائض، دون أن نعلم بأن البنوك تحقق مرابح هائلة، حتى وإن كانت القروض من غير فائض أي = 0% فائدة، وبالتالي يكون «آدم سميث» و»جون كينز» قد اكتشفا الاقتصاد الإسلامي، وهنا يجب أن ندرك بعض الأمور الشديدة الأهمية التي تجعل القرآن معجزة علمية في السياسة والاقتصاد والاجتماع بكل معنى الكلمة. 

١-  إن النهضة العلمية والاقتصادية الأوروبية جاءت على أنقاض النهضة العربية بسبب تسييل الكتلة النقدية وولادة المال الورقي، وإن دورة المال في جسم المجتمع هي كدورة الدم في جسم الإنسان. وجمود الدورة المالية بالإصرار على استخدام المعدن المحدود الكمية مقابل السيولة الورقية تسبب بتخلف هنا ونهضة هناك.

٢-  إنّ توليد النقود وتسييلها هو واجب لأي نهضة، إلا أن من يولد النقود يتمكن من فرض ضريبة قسرية مخفية على كل من يستخدم هذه النقود.

٣-  إنّ البنوك كلها تولّد النقود الائتمانية الدفترية وتفرض ضريبة على الناس، وتحقّق أرباحاً خيالية حتى وإنْ لم تحصل على فائدة من القروض التي تولدها، وحتى وإن كانت الفائدة على القروض 0%، وتشترك البنوك المسماة إسلامية مع البنوك التجارية في هذه السرقة، وبالتالي لا يكفي ذبح الخنزير على الطريقة الإسلامية ليصبح أكله حلالاً.

٤-  تحليل الفائض على القرض خطأ، لكن لا معنى له في ظلّ التضخم المالي، وبالتالي فإنّ (ربا المال) المحرّم هو (التضخم المال).

٥-  إنّ المعجزة العلمية الإسلامية ستظهر للعالم كله ليس من علاج الرأسمالية حصراً.. إذ إنّه عندما يولد المال الذي (يزكو) أي أنّ قوّته الشرائية تنمو وتتحصّن ستولّد حضارة إنسانية جديدة تدخل الكوكب كله في هذه العقيدة المعجزة لأن نمو وحصانة المال هو  الدليل على الراعي الصالح للمجتمع. وعندها سيدرك الناس الفارق الكبير بين نمو كمية النقود وتردي قيمتها وهو محرّم، وبين نمو النوعية وارتفاع قدرتها الشرائية وحصانتها، والعالم كله يبحث عن هذا النوع من المال الذي يعتبر الملجأ الآمن لحماية الثروة من التسرّب.

وعندما يدرك المسلمون أنفسهم أهمية العلم الكامن في مبدأ تحريم تردي قيمة العملة والأمر بوجوب نمو قيمتها ويعملون على تحقيق ذلك، سيولدون جهازاً للمناعة في جسم المجتمع، كما سيولدون الراعي الصالح الذي يربطه بالمجتمع جهاز عصبي يؤلمه إذا تألم الناس وتسعده سعادتهم، وعندها سيكتشف العالم حقيقة المعجزة العلمية في الاقتصاد الاسلامي المرتبط بمعجزة الإصلاح السياسي، وستولد حضارة إنسانية جديدة تنشر الرحمة والسعادة والعدالة والبحبوحة لكل البشر، وتحقيق ذلك هو وحده الجهاد في سبيل الله، وكل ما عدا ذلك تمويه يخدع الناس ولكنه لا ينطلي على الله سبحانه وتعالى.