بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 شباط 2018 12:01ص حان وقت العمل!

حجم الخط
 في الأزمات تُختبر معادن الرجال وصلابتهم، وتُمتحن أصالة الشعوب ومحتدّهم، وتصقل حضارات الأمم وتراثها، وتتبلور قيم الناس ومعتقداتهم، وتظهر حقائق الأمور ومكنوناتها.
وعلى الرغم من كل ما يحدث لدينا ومن حولنا، على الرغم من كل شيء، فإنّ الظرف ليس مناسباً للمنازعات وتصفية الحسابات، أو التشفـّي والتهكّم وتقاذف الاتهامات والنعوت.
إنّه وقت العمل.
علينا أنْ نُخرِج أنفسنا وشعبنا وأمّتنا، وبأسرع ما يمكن، من الحالة التي أصابت الكثيرين بالمرارة والذهول، والإحباط وخيبة الأمل، وشعور اليأس والإستسلام، وجلد الذات، والإحساس بالسخرية من ذاتـنا والدونيّة والحقارة والخذلان والإنقياد والتبعية.
علينا أنْ نسترد أنفاسنا، وأنْ نبدأ بلملمة الجراح وإطفاء الحرائق. علينا أنْ نتماسك كي نتمكّن من استيعاب ما حدث ويحدث، وفهمه وتحليله، وكشف جوانبه، واستخلاص العبر منه.. استشرافاً للمستقبل وتحسباً لما يخبئه لنا زمان الغدر والعهر.
وعلى الرغم من أنّ النكبات والنكسات والهزائم تتوالى على أمّتنا، وعلى الرغم من أنّها تشتد ضراوة وقسوة يوماً بعد يوم، لكن في أمّتنا مَنْ لم يستسلم.. هناك مَنْ لم يعتبر ما حدث جوازاً للتهرّب من المسؤولية، وإجازة للتنصّل من التبعات، مَنْ لم يرفع الرايات البيضاء، ولم يقبل أنْ يُعفر وجهه في التراب، مَنْ يرفض أنْ تدوس جزمة الغاصب على رقبته وأنْ يُستباح عرضه. 
صحيح أنّ معظم أبناء هذه الأمة يعلّقون آمالهم على «الحتمية التاريخية»، أو على ظهور «المهدي المنتظر»، أو بروز «صلاح الدين» آخر، يأخذ بناصيتهم وينتشلهم من مستـنقعات الحاضر المظلم الآسن، ويقودهم إلى غدٍ عزيزٍ مشرقٍ، لكن في أمّتنا مَنْ مَلّ الاستكانة والإتكال والانتظار، وتاق إلى الشهادة والنصر، فلبّى النداء وأضاء شمعة بدلاً من أن يلعن الظلام، بحثاً عن رقعة ضياء وفسحة من أمل.
ويا ليت قادة هذه الأمة يختارون في ما بينهم شهراً يصومون فيه عن التشهير والإغتياب والتسريبات والشائعات والمناكفات، وليكن أيضاً شهراً حرماً تُحرّم فيه المكائد والدسائس والمؤامرات، فيسعى الجميع إلى أمر سواء بينهم في جو من الصراحة المطلقة، ويعتبرون هذا لقاء الفرصة الأخيرة، بدون أي تغطية إعلامية أو بيان افتتاح أو مقررات ختامية، ويفضي كل بهواجسه معلناً طموحاته وأهدافه وارتباطاته ومصالحه ومتاعبه ومخاوفه وهواجسه، فإما أن يصل الجميع إلى الحد الأدنى من التفاهم والنقاط المشتركة، وإما إلى فراق بمعروف وكل إلى مصيره، فنجنّب الأمة، على الأقل، الإيغال في الأوهام، ونُريحها من الحضور القسري المتواصل لمسرحية يشخـّصها ممثلون أقزام مُتخاذلون مُستضعفون. 
إنّ الخطر الجديد المُحدق بكيان أمّتنا (رغم كلّ ما حدث) ما زال في بداياته، وما حصل ويحصل ما هو سوى الملامح الأولى والإرهاصات لما بُيُّت له بكل خبث ودهاء وخسّة، وعار علينا أنْ نترنّح ونسقط من دون أن نقاتل حتى آخر ذرة من قدراتـنا وإمكاناتـنا، ذوداً عن كرامتـنا وشرفنا وعرضنا، ودفاعاً عن أهلنا وترابنا وعزتـنا.
«الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك»، وكل غروب تتبعه إشراقة.. وحتماً فإنّ التاريخ بالمرصاد، والفجر ليس ببعيد عن الشعوب التي تستحق الحياة.
اللهم جنّبنا قهر الأنذال.. وتخاذل الرجال. 
اللهم رُدّ عنّا ذل هذه الحال.. وسوء المآل. 
اللهم لا تُؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا.