بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آب 2018 12:00ص حكايا منسية من تاريخ لبنان السياسي

الفراغ الرئاسي الأطول الذي انتهى بالطائف

حجم الخط
«وفي اجتماع عقد يوم 20 أيلول بين رئيس المجلس النيابي آنئذ حسين الحسيني وغسان التويني سأل الحسيني: ماذا يمكننا أن نفعل كي نقنع رئيس الجمهورية والطائفة المارونية بقبول مخايل الضاهر؟ فذكر غسّان تويني خمسة شروط يُمكن إذا تحققت ان ينعقد الاتفاق على أساسها بشأن الضاهر، وهي شروط حددها غسّان تويني على الوجه التالي:
1- ان الورقة التي قدمها الضاهر إلى خدام بخصوص الإصلاحات ينبغي ان لا تعتبر ملزمة، بل تعتبر ورقة بين ورقات أخرى، ان هذه الورقة، على ما قيل لي، تعتمد المبادئ التي كنا نحن والشرع وغلاسبي قد اتفقنا عليها من قبل.
 2- ان القوات اللبنانية يجب أن تتمثل في أول حكومة يشكلها مخايل الضاهر.
3- لا يجوز السماح لحبيقة وقواته بالعودة إلى المنطقة الشرقية.
4- ينبغي للانتخابات الرئاسية ان تجري في قصر منصور، وهو مكان حيادي يفضله النواب المسيحيون، لا في منطقة المبنى النيابي، لأن ذهاب النواب المسيحيين إلى هناك غير مأمون.
5- ينبغي للجميّل ان يجتمع بالضاهر في دمشق، وإذا كان الرئيس راضياً عنه، عاد به إلى القصر الجمهوري للاجتماع بجعجع والنواب الآخرين. وإذا كانت نتيجة هذه الاجتماعات إيجابية، كان الضاهر مرشّح إجماع، وإذا لم يتحقق الاتفاق، يتعهد الرئيس بإعادة الضاهر بطوافة عسكرية إلى بلدته القبيات في منطقة عكار. واعتبر الحسيني ان هذه الشروط كلها قابلة للتحقيق. وتساءل: هل رئيس الجمهورية يقبل بها؟ هل يجتمع بالرئيس الأسد في دمشق في اليوم التالي لتأكيد قبوله بهذه الشروط واجراء انتخاب الضاهر? هل يقوم بإقناع المعارضين للضاهر بأن ذلك هو السبيل الأفضل أمام البلاد؟
في مساء ذلك اليوم، كما يقول ايلي سالم، جرى نقاش طويل بحضور ايلي سالم، كريم بقرادوني، وسيمون قسيس وجوزيف الهاشم، وجوزيف أبو خليل، وغسان تويني، ما كان لكريم بقرادوني أن يصدق ان الرئيس الأسد يقبل الاجتماع بالرئيس الجميّل في هذه اللحظات الاخيرة، ثم إذا تحقق هذا الاجتماع، فإنه لن يكون ناجحاً. راهن على مئة ليرة لبنانية مع غسان تويني بأن الرئيس الأسد لن يستقبله. وكان هناك اتفاق عام على انه لا خسارة في تجربة اقتراح غسّان. ولذلك طلب الرئيس من غسّان تويني ان يتصل بالحسيني ويقول له ان الرئيس مستعد لدعم الشروط الخمسة والحصول على موعد للرئيس مع الأسد على هذا الأساس. ولم يكلف أحد نفسه بأن يتصل تلك الليلة بجعجع وعون. كان الرئيس يتكل في ذلك على بقرادوني، بينما كان بقرادوني يتكل على الرئيس للتشاور مع جعجع مباشرة. كان الرئيس يشك في عون، وشاء بالتالي تأجيل ابلاغه حتى اللحظة الأخيرة، واتصل تويني بالحسيني وقيل له أن الاجتماع مع الرئيس الأسد تقرر في اليوم التالي، الأربعاء، الساعة الواحدة بعد الظهر. والحسيني الذي كان على اتصال بخدام، أكّد لغسان تويني ان الشروط الخمسة التي وضعها مقبولة لدى سوريا، وبعد الاجتماع بالرئيس الأسد، تجري المصالحة مع الحص، والحسيني. وفرنجية، والضاهر الذي كان في دمشق آنئذ،ٍ وبقينا مع الرئيس حتى الساعة الثالثة صباحاً نعد تفاصيل الاجتماع المقترح مع الرئيس الأسد .
وحين رجعت إلى القصر الجمهوري، عند الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالي، وجدت الرئيس وغسان تويني في حالة تأمل كئيب . قالا لي ان المشروع برمته قد انهار. ان جعجع رفض الضاهر للرئاسة، ولذلك فإنه لا جدوى من الذهاب إلى دمشق. وبعد نقاش مفصل بين الرئيس وتويني، وهاشم، وقسيس، وبيني، قرّر الرئيس أن يتوجه إلى دمشق. الرئيس الأسد، وأعضاء حكومته، وجميع السفراء الأجانب ينتظر وصولهم إلى مطار دمشق في أي لحظة، لا دقيقة لدينا نضيعها. العلاقات بين الرئيسين الجميّل والأسد لم تكن جيدة ولا يُمكن للرئيس الجميّل ان يسيء إلى الرئيس الأسد بإلغاء زيارة مقررة في اللحظة الأخيرة. وجعجع، كما قال الرئيس، لا يعارض الزيارة انه يعارض مخايل الضاهر، بوسعه كما قال جعجع، ان يتوجه إلى دمشق وان يتحدث إلى الرئيس الأسد عن رئيس جديد، لا عن الضاهر، على ان لا يفكر بأن يعود به، كما هو مقترح للتشاور معه. ووجد بعض المستشارين الذين كانوا تواقين الى مرافقة الرئيس في مهمة ظنوها ناجحة أعذاراً ملائمة للإنسحاب. ولم يبق أحد غير غسان تويني وغيري الى جانب الرئيس المحبط. سألنا: أما نزال مستعدين لمرافقته؟ قلنا له اننا لا نزال مستعدين للتوجه إلى دمشق برفقته ولو اننا نعلم مسبقاً انها رحلة لإنقاذ ماء الوجه فقط، ولتقليل الأذى إلى حده الأدنى، لا لحل المشكل، كما كنا نأمل».
توجه الرئيس الجميّل الى دمشق. وفور سفر رئيس الجمهورية: «بادر ميشال عون إلى الاتصال بسمير جعجع الذي صعد إلى وزارة الدفاع برفقة نادر سكر، حيث التقى الرجلان للمرة الأولى من القطيعة التي بدأت في أيلول عام 1986 اثر اغتيال العقيد خليل كنعان قائد اللواء الخامس في الجيش واتهام عون للقوات باغتياله.
فاجأ لقاء عون - جعجع الأوساط السياسية في بيروت، واعتبرته دمشق انقلاباً لأنه جاء في الوقت الذي كان فيه الأسد مجتمعاً مع الجميّل، فانتهى اللقاء بدون أي نتيجة.
فور عودته من دمشق توجه الرئيس الجميّل إلى مقر البطريركية المارونية حيث كان البطريرك مجتمعاً بالنواب المسيحيين، وأخبر الحاضرين بأن «موقف» القوات كان ايجابياً في المساء لكنه تبدل في الصباح، وبالتالي فإن زيارته إلى دمشق لم تحقق شيئاً بسبب الاجتماع المفاجئ بين عون وجعجع.
وجاء يوم 22 أيلول، حيث بقي أقل من 24 ساعة على انتهاء ولاية الرئيس الجميّل، فبدأ هذا اليوم طويلاً ومحموماً، وتردد ان الجميّل عرض رئاسة الحكومة على الرئيس شارل حلو لكنه اعتذر، ورشح النائب بيار حلو لكنه رفض لأنه لا يريد حكومة من دون المسلمين.
وظلت الأمور دون وضوح في ظل حالة اضطراب تسيطر على أروقة القصر الجمهوري وصالوناته. وحوالى الساعة التاسعة والنصف ليلاً «استدعى الرئيس الجميّل جميع الموجودين في القصر إضافة إلى العماد عون لتدارس الصيغ الحكومية وطرحت في هذا الاجتماع ثلاث صيغ:
الأولى: حكومة برئاسة الدكتور سليم الحص تضم فاعليات الشرقية والغربية، وكان يجري الاتصالات بشأنها غسّان تويني وداني شمعون وجوزيف الهاشم، وقد اصطدمت هذه الصيغة برفض الحص اشراك سمير جعجع، واقترح في المقابل حكومة من 14 وزيراً تضم جورج سعادة بصفته رئيساً للجبهة اللبنانية وأبلغ اقتراحه هاتفياً إلى داني شمعون.
الثانية: برئاسة بيار حلو، وقد اصطدمت بعقبة التمثيل الإسلامي، وخصوصاً ان الرؤساء الثلاثة للطوائف الإسلامية كانوا قبل ساعات اصدروا بياناً يؤكدون فيه ان حكومة الحص القائمة هي الحكومة الشرعية الوحيدة، ويرفضون أي مشروع لحكومة انتقالية برئاسة ماروني، ويطلبون من جميع المسلمين ان يقاطعوا سلفاً أي حكومة من هذا النوع، وقد اثر هذا الموقف في بيار حلو فاعتذر.
الثالثة: كانت اقتراحاً باسناد رئاسة الحكومة إلى داني شمعون لكنها لم تلق تجاوباً وشعر الجميع بفشلها، خصوصاً عندما اعتذر عون عن عدم المشاركة في حكومة يرئسها حزبي قائلاً: «لا أستطيع ان اكون وزيراً في حكومة حزبية أو يرئسها حزبي، حفاظاً على تماسك المؤسسة العسكرية».
هنا، قال الرئيس الجميّل: الوقت صار داهماً... وأنا لا أؤلف حكومة الا بموافقة سمير جعجع والجنرال عون، وتوجه إلى سمير قائلاً: هل تقبل ان يكون ميشال عون رئيساً للحكومة؟ وقبل أن يرد سمير تدخل عون قائلاً: أنا لا أؤلف حكومة من سياسيين، أنا استطيع ان أؤلف حكومة من المجلس العسكري الذي يضم كبار الضباط في الجيش ويمثل الطوائف الست الرئيسية.
في تلك اللحظة ولدت الحكومة العسكرية التي رفض الأعضاء المسلمون المشاركتة فيها.. وانتهت ولاية الرئيس الجميّل وصار القصر الجمهوري بلا رئيس.. وابتدأ جعجع يخطط لإنهاء أمين الجميّل وتم له بعد عشرة أيام أي في 3 تشرين الأول 1988 حيث دخلت القوات اللبنانية منطقة المتن الشمالي.. وسيطرت على مواقع الجميّل العسكرية والمدنية ووضعته في منزله في ما يشبه الإقامة الاجبارية، مما اضطره إلى مغادرة لبنان نهائياً.. فقد خان الحظ أمين الجميّل هذه المرة.
منذ 23 أيلول بدأ لبنان مرحلة جديدة من الأزمات والحروب التي انتهت باتفاق الطائف الذي بدأ يؤشر لمرحلة جديدة من عمر الجمهورية.