بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تشرين الثاني 2019 09:29ص رسالة مفتوحة إلى أخي الشيعي

تصوير: نبيل اسماعيل تصوير: نبيل اسماعيل
حجم الخط
في ملاعب الصبا نشأنا وترعرعنا سوياً في أحياء بيروت فكنّا نتسامر ونلهو معاً، لا شيء يخلفنا أو يفرّقنا مطلقاً سوى مغادرتك حيّنا لقضاء العطلة الصيفية في ربوع الجنوب.

كنّا أنا وأنت نعيش بوئام ومحبّة وحسن جوار وطمأنينة وسكينة، بل كنّا لباس بعضنا بعضاً يسوؤك ما يسوؤني ويفرحني ما يفرحك، إلى أن دخلت إلينا شياطين الأنانية وإرادة السطوة ومظاهر غلبة السلاح والكتب الصفراء الحاقدة وبعض رؤوس الجهلة من الحاقدين والمتمسكين بالنصوص والآراء والحوادث التاريخية التي كتبت ودارت أحداثها في عصور الظلام والتشكيك والتحريض والتخوين.

ولا ريب فإن محبتي ومؤازرتي للإمام علي وآل بيت النبوة جعلت مني سنياً وفق منهج أهل السنّة والجماعة، ومحبتك ومؤازرتك للإمام علي وآل بيت النبوة جعلت منك شيعياً وفق منهج الإمامية الاثني عشرية، فكنت أنا من خلال ممارسة منهجيتي السنّية مرجحاً للسلم الأهلي حقناً لدماء المسلمين وطلباً لوحدتهم وعدم تفرقهم ولو أدى ذلك إلى التغاضي لبعض الوقت عن مبدأ العدل الاجتماعي، بينما كنت أنت في ممارسة منهجيتك الشيعية الإمامية مرجحاً للعدل الاجتماعي في إيصال الحق إلى أهله ولو كان ذلك على حساب السلم الأهلي. ولعمري كم هو صعب على المرء أن يختار بين هذين المبدأين عندما يريد أن يقيس الأمور في موازين الحكم وإدارة شؤون البلاد فيما يرضي الله تعالى وشؤون العباد.

سؤال أطرحه علينا أنا وأنت: كيف وصلنا إلى هذا الدرك والانحطاط في مستوى العلاقة التي تربطنا مع بعضنا البعض؟ كيف وصلنا إلى عدم التفاهم وازدراء الآخر ومحاربته، بل كيف وصلنا إلى تكفير بعضنا بعضاً ورمي التهم والأحقاد وبث الكراهية في ما بيننا.

كيف نسمح لأنفسنا بالاقتتال تحت هذه الراية أو تلك وشحن الأنفس في كل مرة نمسك السلاح ونتعالى على الآخر. ألم نتعلم من التاريخ شيئاً، ألم نتعلم بأن إراقة الدماء الزكية والبريئة وحمل السلاح على بعضنا بعضاً لا يورثان الا الحقد والعداوة ولا يمنحان البتة الانتصار والغلبة. ولكننا للأسف لا أنا السني ولا أنت الشيعي نحسن قراءة التاريخ والأحداث، وإذا قرأنا لا نفهم وإذا فهمنا لا نعرف كيف نستفيد مما قرأناه ولا كيف تستفيد شعوبنا من أخطائها و من أخطاء الأمم السابقة.

المضحك المبكي في مفردات لعبة الشطرنج التي تلعبها الدول المتحكمة في مقدرات هذا العالم أن يقال لنا "كش” و”مات” فأكش أنا السني وتموت أنت الشيعي أو بالعكس، على وقع ضحكاتهم ونحن نعلم بأنهم يستهزئون بنا ويرسمون لنا كيف نتعارك ونتحارب ونتمذهب حتى يتمكنوا من تقسيم المقسم الذي سبق لهم أن قسموه وتجزئة المجزأ في منطقتنا العربية.

كلمة أخيرة أوجهها أنا السني وأنت الشيعي الى أبواق إذاعاتنا وتلفزيوناتنا وصحفنا والى بعض الذين يقرأون في الكتب الصفراء على وقع طبول عصور الظلام والتشكيك والتخوين: ارحمونا ودعونا نتعانق، ارحمونا ودعونا ننبذ الفتنة وهتافاتها وشعاراتها المقيتة، دعونا نتفق ولا نختلف وإذا اختلفنا أن نعلم بأن اختلافنا رحمة ونعمة وليس نقمة، دعونا مع شركائنا في الوطن نبني لأبنائنا لبنان المستقبل الواعد، لبنان الأمل والتغيير، لبنان المقاوم بجيشه الأبي وبسواعد أبنائه كل أبنائه لمخلصين، دعوا أطفالنا يلعبون ويضحكون في ملاعب الصبا والبراءة، دعوا المساجد والحسينيات والخلوات والكنائس تهتف بالسلام والتآخي، دعونا نصلي معاً ونصوم معاً ونعيّد الأعياد معاً مثلما حججنا الى بيت الله الحرام معاً، دعونا أحراراً نحكّم ونحتكم الى عقولنا وضمائرنا وليس الى عقولكم وإرادتكم التي تعكس على وجوهكم وألسنتكم اصفرار كتبكم المخطوطة في أزمان الكراهية والتعصب والتخوين.. وإن كانت لكم كلمة أخيرة فلتكن للخير فقط وإلا فلتصمتوا جميعاً.