بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 نيسان 2020 12:02ص رسالة مفتوحة إلى حاكم مصرف لبنان

حجم الخط
أنا رجل في المراحل الأخيرة من العمر، عملتُ على مدى 54 سنة، أكثر من نصفها في بلاد الاغتراب وفي أسوأ الظروف، واعتمدتُ (بعد الله) على جنى العمر كي أعيش وعائلتي بكرامة، وأنْ أتمكن من المساهمة في مساعدة مجتمعي كما تُملي عليّ مبادئي وأخلاقي وديني.

بداية، أنا أتّهم السُلطة الفاسدة والمصارف الجشعة ومصرف لبنان، مجتمعين ومنفردين، بالتسبّب بسوء حال اللبنانيين وخراب البلد.

بالنسبة لي فأنا أعتبر مصرف لبنان مسؤولاً أيضاً، وعلى رأسه حاكمه رياض سلامة، سواء بتهمة التواطؤ والتستّر، أو سوء التدبّر والإدارة، أو غضّ النظر والتجاهل، أو الإهمال! هناك مسؤولية ما ... ولا ينبغي رميها على الآخرين.

ورد في بعض وسائل الإعلام أنّ حاكم مصرف لبنان بصدد إصدار بيان يتلوه عبر الفيديو «يُصارح» فيه اللبنانيين بالوقائع والأرقام عن الأسباب التي أوصلت الوضع المالي الى ما وصل إليه، وأنّ البيان سيتضمّن أرقاماً عن تطوّر الدين العام وعن النفقات التي سُجّلت من دون واردات، وأبرزها سلسلة الرتب والرواتب.

حسناً، أنا لا أريد أن أطّلع على الأسباب التي أوصلتني إلى الهاوية، فأنا حالياً موجود في قعرها، أنا أريد أنْ أعرف كيف سيتم انتشالي من الجحيم الذي وقعتُ فيه في غفلة، وبدون أن ارتكب أي خطأ من جانبي.

أنا لا يهمّني أنْ تضع يا سعادة الحاكم اللوم على الآخرين، أنا أريد أن أفهم لماذا كُنتَ تُصرّح مراراً وتكراراً بأنّ «الليرة بخير»؟!.. أنت إمّا كُنتَ كاذباً أو إنّك كُنتَ جاهلاً، وفي الحالتين أنت مذنب، ولا تستأهل أن تكون أفضل حاكم مصرف مركزي عربي، وأفضل حاكم مصرف مركزي في الشرق الأوسط، لسنوات طوال!!

أنتَ أيها الحاكم تتمتّع باستقلالية لا مثيل لها، وكان بإمكانك (لأنّه دورك المؤتمن عليه قانوناً وأخلاقاً مهنيّة) أنْ تقول لا لتمويل دولة فاسدة عاجزة مفلسة. كان بإمكانك الاستنكاف عن اللجوء الى ابتداع هندسات مالية متتالية هي أقرب الى الرشوة. والآن، أنت تُصدِر التعميم تلو التعميم، والقرار تلو الآخر، في مسعى للسطو على ما تبقّى من إيداعاتنا المُصادرة في محاولة يائسة لإنقاذ مصرف لبنان وتلميع سمعتك!

آمل ألا تظهر على الناس المذبوحة في عيشها، وتتلو بياناً مُملاً مليئاً بالأرقام والتعابير والمصطلحات التي لا نفهمها ولا تعنينا، كما أتمنّى أنْ تتخلّى عن التعابير الجامدة في وجهك، وأنْ تُظهِر (ولو لمرّة) وجهاً إنسانياً حقيقياً يتأثّر فعلاً بمصيبة أبناء وطنه!!



* كاتب وباحث.