بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الثاني 2019 06:05ص صـنـاعة الـوعـي: طـرابلـس نـموذجــاً

حجم الخط
  • يَجمَع متظاهري «ساحة النور» معاناة مشتركة وظلمٌ مشترك، فهم على اختلاف انتماءاتهم الفئوية والطبقية والثقافية يعانون من اضطهاد المنظومة السياسية الطائفية ومن تهميش المركز لحقوقهم
  • احتجاجات الشارع الطرابلسي بحجم المعاناة التاريخية المستمرة التي تقضّ مضجعه، على النظام السياسي وزعماء السياسة الذين يرى فيهم امتدادا للخارج ومصالحه 

يشير الوعي إلى تحرر الإنسان من حالة الإستلاب التي يعانيها، وإلى قدرته على التشخيص الموضوعي والعلمي للظواهر المجتمعية. ويعدّ الحياد الأخلاقي شرطاً لازماً وواجباً على الإنسان الواعي لصياغة أحكامه من الواقع. فبقدر ما يكون الإنسان متحرراً من الموروثات التي تقيّد قدرته على القيام بهذه المهمة بفعالية، يكون متمتعاً بالوعي الثقافي الخلاّق. والوعي على علاقة جدلية مع الثقافة. 

والثقافة هي الوعاء الذي تتشكل في إطاره منظومة القيم والمعتقدات والأفكار والمعارف والعلوم والفنون والتقاليد والأعراف والعادات.. والذي يشكل بدوره منظومة من الرموز العقلية التي يختزنها الأفراد والجماعات في ذاكرتهم، فتحدد المسموح والممنوع، والمقدّس والمدنّس، وتلقي، تالياً، بظلالها على سلوكهم إقبالاً وإحجاماً، وتفرض نفسها على المجتمع كقوة جبرية قاهرة. 

ويخضع الوعي لقانون النسبية، فإذا كان وعي الإنسان متطوراً، كان قادراً على التحرر من الموروثات السلبية، وإذا كان وعيه متخلفاً، أصبح أسيراً لهذه الموروثات. ولقد عبّر كل من Descartes و Bacon خير تعبير عن هذه الحالة بدعوتهما الإنسان الى اعتماد الاستقراء نهجاً لتحرير الناس من الآثام والأوثان. وفي مؤلفه  «الكائن والعدم» «L’Être et le Néant»  يرى Jean-Paul Sartre بأن الإنسان يمتاز بوعيه لوجوده الذي يساوي في رأيه المسافة القائمة بين ما هو عليه هذا الوجود وما يعيه هو عن هذا الوجود. وبما أن الإنسان ذو طبيعة متحركة، فهو كائن حر وقادر على تحديد معالم حاضره ومستقبله.

ويرتدي الوعي الثقافي أبعاداً مختلفة: فمن الوعي ما يعبّر منه عن انتماءات سياسية متخصصة تتعلق على سبيل المثال بالأمن التكنولوجي والأمن البيئي والأمن الاستهلاكي والأمن الاجتماعي المتمثل بحقوق المرأة والطفل وكبار السن.. ومنه ما يعبر منه عن انتماءات عقلانية صرفة كالإنتماءات النقابية والإنتماءات الحزبية.. ومنه ما هو طبقي يتعلّق بنمط الإنتاج، فازدحام التناقضات في علاقات الإنتاج، واحتدامها بين البرجوازية والبروليتارية هو العامل المولّد للوعي الثوري في مجتمع صناعي يسود فيه القهر الطبقي.

وبعض الوعي عبارة عن صناعة ذاتية، ووسيلة لتحقيق أهداف سياسية معينة، فحزب المحافظين البريطاني في ثمانينيات القرن العشرين بزعامة «تاتشر» نجح باستمالة شريحة مهمة من الطبقة العمالية التقليدية اليه نتيجة لسوء سياسات حزب العمال تجاه الطبقة العاملة التي يزعم تمثيلها.

أما الوعي الديني، فهو يكتسب تأثيراً قياسياً، وسلطة نافذة على سلوك الأفراد والجماعات على السواء، مقارنة بأشكال الوعي الأخرى، ففي حين يتسم الوعي ذي الصناعة الذاتية بالحركة on what side you are? يمتاز الوعي الديني بالرسوخ والثبات who you are? 

ومن الوعي ما هو معرفي ناجم عن درجة التحصيل العلمي، والإنجازات الأكاديمية النوعية، والغنى الثقافي المتمثل بعدد اللغات الأجنبية المتقنة، والانجازات الأدبية والشعرية، والملكات الحوارية والخطابية، وجذور المرء الثقافية.

ويحمل الوعي الثقافي في طياته أبعادا معنوية أخرى كالكرامة الوطنية، والوحدة الوطنية، والسيادة الوطنية، ولذلك، فإن تأثير العوامل الخارجية على عملية تشكيل الوعي الثقافي بارز، وهو يزداد بروزا في ظل سيادة ظاهرة العولمة، وما تحمله في طياتها من تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية بالغة التأثير في مجال تشكل الوعي الفردي والجمعي على السواء. 

ويولي  Émile Durkeim  أهمية بالغة لدور المجتمع في صياغة منظومة المعتقدات والقيم والعادات السائدة فيه، فالمجتمع هو مصدر التشريع، ومصدر الشرعية، وهو الضمير الجمعي الذي يختزل كل الضمائر الفردية، لا تتقدم عليه أي مرجعية أخرى لا زمنية ولا دينية، فالقوانين الاجتماعية قائمة بحد ذاتها، وهي مستقلة عن إرادة الأفراد الذين يخضعون لها خضوعاً تلقائياً، فالظاهرة المجتمعية تتمتع، لكونها ملتقى الضمائر الفردية، باستقلالية خاصة بها، وبخصائص خاصة بها، وشخصية خاصة.

ويتخذ الوعي الفكري بعداً مختلفاً في الصراع الدائر بين كل من الناموس الإيديولوجي الليبرالي والناموس الأيديولوجي الماركسي. فبينما ترفع الليبرالية العقل البشري الى أعلى مرتبة ممكنة، تنظر الماركسية الكلاسيكية الى هذا الموضوع نظرة مختلفة: فالوعي هو طبقي من منظور Karl Marx، والمجتمع يخضع للتضليل البرجوازي الذي يعطل فيه وظيفة العقل الخلاّقة، فالإنسان ليس حراً بل يخضع لمؤثرات خارجة عن إرادته.

السياق التاريخي العام

في 17 ت1 من العام الجاري 2019 اندلعت الاحتجاجات الشعبية على كامل الأراضي اللبنانية، استنكارا لنهج السلطة العامة الحاكمة في إدارة الشأن العام، وأطلقت العنان لامتعاضها العارم على أداء السلطة السياسية والمنظومة الطائفية ككل، وتراوحت مطاليبها، بين الحياتي الذي يتمثل بتوفير الخدمات والحقوق الأساسية، والدستوري الذي يطالب بإصلاح النظام السياسي واستبدال النموذج الاقتصادي الريعي بآخر إنتاجي- اجتماعي.

وكانت أولى تباشير الحراك الشعبي الورقة الإصلاحية التي تقدم بها رئيس الحكومة في 20 ت1 2019، والتي لاقت رفضاً عاماً عارماً من قبل الرأي العام المتظاهر في كل الميادين، الذي أصر على المطالبة بحقوقه مجبراً الحكومة على الاستقالة في 30 ت1 2019، وها هو لا يزال مستمرا بالضغط على الطبقة السياسية وزبانيتها بهدف تشكيل حكومة تكنوقراطية تتمتع بالخبرة العلمية، وبالاستقلالية السياسية، والشجاعة الأخلاقية، تتصدى لظاهرة الفساد، وتمهّد الطريق لإقرار قانون للأحزاب، وقانون إنتخابي وطني على أساس الدائرة الموسّعة، وانتخابات نيابية مبكرة، تنتج طبقة سياسية واعدة.

ولم تنقطع الحشود الشعبية على كل الأراضي اللبنانية عن الساحات منذ الشرارة الأولى للإحتجاجات الشعبية، وذلك رغم تفاوت حدتها النسبية، وحجم الإقبال عليها، في المكان والزمان، سوى مدينة طرابلس التي تستقطب المواطنين اللبنانيين من كل المناطق المجاورة، والتي تشهد ساحتها تنامياً في الحضور الشعبي الإحتجاجي، وتصاعدا في حدة خطابها السياسي ضد السلطة الحاكمة، وعلى رأس أولوياته، إسقاط رموزها المتبقية والمتمثلة برئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. فما الذي يفسّر هذه الظاهرة؟

وتتضافر في الحالة الطرابلسية جملة من العوامل المتداخلة الحاكمة للمشهدية الثورية التي تشهدها ساحتها المعروفة بـ «ساحة النور» التي يعتليها اسم الجلالة الذي حلّ محل تمثال الزعيم الراحل عبد الحميد كرامي، وأبرزها التاريخي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي، فطرابلس كانت شديدة الإنتماء الى محيطها العربي والإسلامي، ومن أشد المدن اعتراضاً على مشروع إنشاء «دولة لبنان الكبير». 

وكان لقوى طرابلس الاجتماعية والسياسية الفاعلة صولات وجولات ضد الاستعمار الفرنسي الذي أهدر دماء العديد من أبنائها المقاومين له، كما كانت المدينة عبر تاريخها المعاصر، من أشد المدن اللبنانية نصرة للقضية الفلسطينية، وللقضايا العربية والإنسانية على وجه العموم، لكنها كانت في الوقت عينه ساحة للصراعات الدولية، والعربية - العربية، والعربية - الإسلامية، وضحية لها.

«لعنة» ثنائية المركز والأطراف

ونظرا لموقعها الجغرافي المائز على البحر الأبيض المتوسط، ولقربها الجغرافي المائز من الداخل العربي، ونزولا عند رغبة الفعاليات اللبنانية المشاركة في عملية التقسيم، أدمجت مدينة طرابلس قسرا في دولة لبنان الكبير، مغبة أن يكون لها دوراً منافساً لمدينة بيروت، فيتم احتواؤها، ولا سيما مرفأها ذي المزايا الاستراتيجية، من قبل النظام السياسي الوليد. فكيف إذا ما طالبت طرابلس بتفعيل مطار الرئيس الشهيد رينيه معوّض، والمصفاة النفطية، ومعرض الرئيس الشهيد رشيد كرامي الذي تعطلت مرافقه خلال الحرب الأهلية، ولا زال معظمها خارج الخدمة، وباقي الأمور ذات القيمة الاستراتيجية كإنشاء البنى التحتية المتطورة، وإعادة تأهيل المدينة العتيقة وخلافه؟

إنها لعنة الإنماء «المتوازن». لعنة المركز الذي لا يتعاطى مع الأطراف سوى كتوابع لا كمكونات أصيلة لهذا البناء الوطني الجامع افتراضا لكل المواطنين؛ ولِمَ العجب عندما نعلم بأن أحد كبار جنرالات الاستعمار الفرنسي كان وصف الأطراف ب «حمار الجمهورية»، محاولا إقناع بعض الفعاليات «اللبنانية» حينذاك بضمها الى «دولة لبنان الكبير».

هكذا استمر النظام السياسي في نهجه الاحتوائي لمدينة طرابلس طيلة المائة سنة الماضية من عمر الجمهورية اللبنانية؛ ولولا وجود رئيس الحكومة الشهيد الراحل رشيد كرامي في سدة الرئاسة الثالثة أيام الرئيس الراحل فؤاد شهاب، ولولا المناخ القومي الذي كان سائدا حينذاك، لما كان لهذا الإنتصار السياسي أن يتحقق على برجوازية المركز المعترضة على فكرة إنشاء المعرض الدولي في المدينة من أصلها، ولما كانت طرابلس نالت أي نصيب يذكر من منافع السلطة اللبنانية العامة في ظل دولة لبنان الكبير.

وبعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها، ورغم انطلاق عجلة الإنماء والإعمار على أوسع نطاق في كل البلاد، لا زالت طرابلس المدينة الأشد فقراً وعوزاً وبطالة وتهميشاً على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ما أدى الى تفشي الظواهر الاجتماعية المَرَضية بين شبانها، والى انغماس بعض شبابها في أتون الصراعات الطائفية الإقليمية والمحلية التي زُجوا فيها، والتي نتيجة لها، زُجّ بالعديد منهم في السجون، وهم لا يزالون حتى يومنا هذا ينتظرون محاكمة عادلة تنصفهم وتبرّؤهم مما نسب الى العديد منهم، وهم منه براء.

تجربة ثورية حيّة

إن العامل الاجتماعي-الاقتصادي ليس حاسماً في الحالة اللبنانية حيث يتقدم الإنتماء الطائفي على ما عداه من انتماءات، ما مكّن الزعامات الطائفية من امتصاص نقمة الناس الاقتصادية وتطويعها سياسياً، لكن ثورة 17 ت1 2019 الوطنية أثبتت بأن هذه القدرة التي تتمتع بها هذه الزعامات السياسية الطائفية ليست بلا سقوف.

فالمنظومة السياسية اللبنانية صنعت وعياً جمعياً طائفياً، فأضحت الطائفية اختصاصاً كسائر الاختصاصات، لها مصطلحاتها ومفاهيمها ونظرياتها ومؤسساتها وأساتذتها وطلابها، ولم يعد بمقدور العقل الفردي والجمعي في لبنان القيام بالتحليل الموضوعي السليم، وإذا ما استطاع، فهو غير قادر على الجمع بين تحليله العلمي الموضوعي وموقفه السياسي. 

وأمعنت المنظومة السياسية اللبنانية الطائفية الحاكمة في تشويه الوعي الثقافي، والبنية الفكرية، والبنية السيكولوجية للإنسان اللبناني، وللمجتمع اللبناني، ولذلك، فإني أرى بأنه من الطبيعي بمكان أن يتحمل مهندسو هذا النظام المسؤولية اﻷخلاقية والمعنوية والمادية والسياسية والقانونية المترتبة عن هذا التشوه المفتعل الذي تولّدت عنه آثار بنيوية كارثية.

ومن أبرز سياسات «التطويع السياسي» السلبي في مجتمع تعددي، تجذير الانتماء الطائفي بل الوطني، والديني بدل المدني، واستحضار الرموز والشخصيات الطائفية. وبما أن عملية التطويع تحمل في طياتها مفاعيل غير قابلة للتنبؤ، فقد تشهد المنظومة السياسية اضطرابات عنيفة، فظاهرة الربيع العربي، على سبيل المثال وليس الحصر، تعدّ تحولاً بنيوياً مفاجئاً للنظم السياسية العربية التي ما تزال تعاني من تداعياته حتى يومنا هذا.

وبالتالي، فإن احتجاجات الشارع الطرابلسي تقع ضمن السياق نفسه، فهي بحجم المعاناة التاريخية المستمرة التي تقضّ مضجعه منذ قيام دولة لبنان الكبير، والتي بلغت ذروتها قبل 17 ت1 من خلال التظاهر أمام سفارات الدول الأجنبية مطالبين بالهجرة، فنقمته مضاعفة على المنظومة العربية، وعلى النظام السياسي اللبناني، وعلى زعماء السياسة اللبنانية الذين يرى فيهم امتدادا للخارج ومصالحه، ووكلاء عنهم على حساب مصالحهم ومصالح مدينتهم.



فطرابلس مشاركة أساسية في صناعة الوعي الجمعي الوطني بإرادتها الحرّة، وبإرداة شعبها الحر، ولا مكان في تجربتها الثورية الراهنة، لا لإرادة مفروضة عليها من الخارج، ولا لإرادة داخلية تشوه مسيرتها النضالية. فالحشود الشعبية التي تشهدها يومياً «ساحة النور» التي طال نورها الآفاق، واكتوت بنارها السلطة، تنتمي الى كل الفئات الاجتماعية، يلتقي فيها العامل والعاطل عن العمل، والعسكري والمدني...والغني والفقير، والبرجوازي والبروليتاري، والمهندس والطبيب، والفنانون والفنانات، والمحجبات والسافرات، والمدينة والريف، والسهل والجبل والساحل، والرجال والنساء من كل الأجيال، والطلاب والطالبات من كل الآفاق، وأساتذة الجامعات والمدارس من كل الجامعات والمدارس والكليّات، فثورة الجماهير الثائرة في ساحة نور طرابلس ليست ثورة جياع بل ثورة شعب يتوق الى صناعة وطن يليق بتطلعاته!!

فنقمة طرابلس على المنظومة السياسية هي في غاية الحدّة، وانتماؤها الوطني هو في غاية الرسوخ، فلا وجود لعلم في ساحة نورها، منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة، سوى العلم اللبناني، الذي حل في معظم أحياء طرابلس محل صور الزعماء وأعلامهم الحزبية؛ وبما أن السواد الأعظم من هذا الشارع فاقد للأمل بهذه المنظومة السياسية الطائفية الحاكمة فقدانا تاما، فليس لديه سوى الاحتجاج أملا في التغيير.

ويَجمَع المتظاهرون في «ساحة النور» معاناة مشتركة، وألمٌ مشترك، وظلمٌ مشترك، فهم، وعلى اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الفئوية والطبقية والثقافية، يعانون من اضطهاد المنظومة السياسية الطائفية لهم، ومن تهميش المركز لحقوقهم التي، وإن اختلفت طبيعتها من حالة الى أخرى، لكنه يبقى القاسم الجامع لهم جميعا، فكانت ساحة النور في طرابلس الحاضنة التي جمعتهم ساحتها، والفرصة اليتيمة التي أتيحت لهم للتعبير عن هواجسهم، والنقاش في كيفية الخروج من النفق، فتشاركوا إضافة الى آمالهم وأمانيهم، آلامهم المشتركة التي تفوق فعاليتها السياسية بأشواط فعالية تشاركهم في الرفاهية.

وطرابلس هي مدينة التقوى والسلام، وشعلة الثورة المتوقّدة، وساحة الثورة التي جمعت كل مناطق الشمال، وجعلته شريكاً فعلياً في صناعة القرار السياسي الوطني بعدما كان وكانت على هامش الأحداث الوطنية طوال عقود من الزمن. وساحة النور ساحة محبة وتلاقي وتفاعل خلاّق، وهي العقل الناطق بالحكمة، والقلب النابض بالوجدان الوطني. إنها عصب الثورة، والقوة المغناطيسية الوطنية التغييرية، والبوصلة التي تسترشد بها الجماهير.

وطرابلس معمل سياسي اختباري يعمل في الهواء الطلق بحرية تامة وعفوية تامة.. تناقش في ظلال خيمها الإشكاليات الوطنية الكبرى، فيُصنع فيها الوعي صناعة ذاتية واعية، وتتشكل القيم، فيُصنع في رحابها التاريخ للمرة الأولى صناعة ديمقراطية مستنيرة، فهي ساحة تتمتع، بفعل قيمها ومبادئها الجامعة، بالإستقلالية التامة عن كل الأفراد، فهي التعبير الأسمى عن الضمير الجمعي الوطني والحر والمستقل الذي أمعنت هذه المنظومة السياسية الطائفية المتوحشة في سلبه إياه. 


* رئيس قسم العلوم السياسية والإدارية 

في الجامعة اللبنانية (الفرع الثالث، طرابلس)