بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 شباط 2019 12:10ص في ذكرى استشهادك.. نستذكر مآثرك وإنجازاتك

حجم الخط


     نستذكر في الذكرى الرابعة عشرة لاستشهادك، يا من كنت حبيباً لبيروت، وزعيماً للوطن، وشعلة من الحيوية والنشاط، فتحوّلتَ في يوم الحب، وبفضل غدر المارقين وكراهيتهم إلى شهيد، فتركَ رحيلكَ في نفوسنا غصّة وحرقة، وفي قلوبنا جرحاً غائراً لا يندمل، حُسن أدائك وطيب معشرك، ورؤاك الثاقبة، ومواقفك الصلبة، ورجولتك الشامخة وقراراتك الحكيمة، وخطابك الوطني الجامع، ورفضك الخطاب الطائفي والمذهبي، وتفانيك في خدمة وطنك وانفتاحك على كل مكوّناته، والعمل على صهرها في بوتقة واحدة، بعيداً من العصبيات المناطقية والطائفية، وصبرك على تحمّل الأذى من الأقربين والأبعدين، وتصدّيك بصدرك الواسع لحملات التجنّي والتجريح والإلغاء.
لم تكن يا شهيدنا الكبير رفيق الحريري، صاحب مشروع إعماري واقتصادي فقط، بل كان لديك مشروع سياسي مرتكز على حق لبنان في قراره الحر وسيادته على كامل ترابه. فقد كنتَ صاحب أفق واسع، ومشروعاً رائداً للبنان متصالح مع ذاته، المواطنة فيه مساواة وحرية وعزّة، والسيادة سياج أمان للبنانيين بكل انتماءاتهم. وعلينا نحن اللبنانيين عرفاناً بعطاءاتك، أنْ نحمي إرثك بالدفاع عن وحدة لبنان، فوق كل الانتماءات والعصبيات، وأنواء الشرق والغرب.
نستذكرك متيّماً بحب لبنان، هائماً في عشق بيروت، التي كانت تسكن وجدانك، وتفضّلها على كل مدن العالم، على رغم صخبها وزحمة شوارعها. وكنتَ تحب قيادة سيارتك في شوارعها وأزقتها، كي تلتقي بأهلها الطيّبين، الذين بايعوك بالقيادة والزعامة، تفتح شباك سيارتك للرد على تحيّتهم، متخطياً الأخطار التي قد تصيبك.
نستذكر قصر قريطم، وأيام الجمعة التي كانت مخصّصة لاستقبال المحبين والأصدقاء وأصحاب الحاجات، حيث كانوا يتجمّعون في حلقات في الصالون الكبير الملحق بمكتبك، يتجاذبون الحديث على مواضيع الساعة، وكنتَ في أحيان كثيرة تشاركهم الحديث وتبث في نفوسهم الأمل بمستقبل واعد. 
ونستذكر إفطارات رمضان، التي كنتَ تُقيمها في القصر على مدى الشهر كله لفاعليات لبنان السياسية والروحية من كل المناطق والطوائف، ولعائلات بيروت وأهلها وجمعياتها الأهلية والمدنية. 
نستذكر إنجازاتك الضخمة، من إقامة مجمّع جامعي كبير في الحدث، ومستشفى مركزي في بيروت، مجهّز بأحدث المعدات، ومستشفيات في كل المناطق اللبنانية، وشبكة مدارس رسمية متخطياً في بنائها القرارات الوزارية ورُخص البناء، ومطار حديث ومدينة رياضية مميزة. وما يحز في النفس أنّ كل هذه الإنجازات تعاني من التقصير والإهمال، فمشكلات المطار تعمّ صفحات الجرائد، والمجمّع الجامعي في قبضة فئة حزبية مذهبية، والمستشفى الجامعي يعاني من الديون وتقادم المعدّات ونقص في الأدوية. 
نستذكر علاقاتك المميّزة مع الدول العربية، وخصوصاً مع دول الخليج العربي، ما ساهم في جعل لبنان وجهة الخليجيين المحبّبة للاستثمار والسياحة، وعلاقاتك الجيدة مع رؤساء الدول الكبرى، الأمر الذي أدّى إلى حماية لبنان ووضعه على الخريطة الدولية. 
وأستذكر أنا يوم الحقد والغدر، يوم 14 شباط 2005، عندما هرعتُ إلى قصر قريطم، بعد توارد الأخبار عن استهداف موكبك بانفجار هزَّ بيروت، فانضممتُ إلى بعض الأصدقاء، الذين كانوا يتابعون أخبار الانفجار عبر جهاز التلفاز في الغرفة المجاورة لبهو مدخل القصر الشمالي. كانت الأخبار عنك متضاربة، إلى أنْ وصل إلى القصر وليد بك جنبلاط، فهرعتُ إليه لدى خروجه من سيارته أسأله عنك، فأجابني بكلمة واحدة.. «إصمدوا». أعدتُ السؤال مرّة ثانية، فكرّر الجواب ذاته.. «إصمدوا». فسألته والدموع تنهمر من عينيّ: هل الرئيس بخير؟ فأجابني كلا، هنا انفجرتُ بالبكاء وصرختُ: «راح الرئيس.. راح الرئيس»، وبدأ الجميع يجهش في البكاء.
رحمك الله يا أبا بهاء...