بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 تشرين الثاني 2019 12:01ص كفى مكابرة

حجم الخط
هامش المناورة، ومحاولة اللعب على عامل الوقت ضاق في وجه السلطة الحاكمة، ووضعها إما خيارين لا ثالث لهما، إمام الاستجابة لمطالب الشعب في تشكيل حكومة اخصائيين مستقلة تتمتع بصلاحيات استثنائية تكون كافية لتحقيق الأهداف التي طرحها الثوار وإما الدخول في مواجهة ستكون هي وحدها الخاسرة فيها، فهل تعقل هذه السلطة وتستجيب لهذه المطالب التي رفعها الشعب اللبناني بأكثريته الساحقة، وتنقذ ما يمكن انقاذه أم تستمر في عنادها، ويستمر الشعب في ثورته حتى اسقاطها وإقامة نظام بديل يستجيب لمطالبه، ويحقق هذه المطالب بالطرق الثورية وليس بأية طريقة أخرى؟

الجواب على هذا السؤال أصبح عند السلطة الحاكمة نفسها، بعد أن قال الشعب كلمته ومشى بخطى ثابتة نحو تحقيق الأهداف غير عابئ بتهديداتها ومناورتها ومحاولاتها المشبوهة، فهل تعي هذه السلطة حقيقة ما آلت إليه الأمور وتستجيب بإرادتها أم انها ما زالت تعتقد بأنها ما زالت قادرة على التلاعب بالوتر الطائفي لتثبيت دعائمها والانتصار على الانتفاضة الشعبية؟ فإذا كانت ما زالت تعتقد ذلك، وما زال تعاطيها مع الشارع المنتفض على هذا الأساس تكون مخطئة بل أكثر من ذلك، لأن الشعب قال كلمته ولن يتراجع عنها، ولا سيما بعدما تحرر من عامل الخوف وتحولت انتفاضته إلى ثورة لا تستكين ولا تهدأ إلا بعد إسقاط الطبقة الحاكمة التي أوصلت الأمور إلى هذا المنحدر الخطير، فهي بهذا الاعتقاد تكون واهمة، وتكون كل حساباتها خاطئة، وستكون نتائجها وخيمة عليها، وعلى مخططاتها العبثية التي لم تعد تستند إلى أي منطق.

لقد حدّد الشعب اللبناني ما يريده من الثورة التي اطلقها ضد السلطة الحاكمة ومآلها الأول والأخير هو ذهابها، لتأتي سلطة جديدة مستمدة من إرادة الشعب الثائر، وموثوقة لجهة الاستجابة لكل مطالبه التي استلهم منها ثورته، وهو لا ولن يتراجع عن أهدافه مهما اشتدت الضغوط عليه، ومهما بلغت صلافة السلطة الحاكمة في استخدامها للقوة المفرطة كما حدث في الأيام القليلة الماضية حيث شهدت الساحات ثورة مضادة عمادها قوة مأسورة الإرادة تتلقى تعليماتها من السلطة نفسها التي يريد الشعب الاطاحة بها واحداً واحداً، فالشعب اللبناني لم يعد وحده في الميدان، وحركته الاحتجاجية باتت تحظى بتأييد كل المجتمع الدولي من الجامعة العربية والفاتيكان وكل دول العالم، ونصح كل هؤلاء السلطة اللبنانية بالاستجابة لمطالبه اليوم قبل الغد، لأن أي تأخير في الاستجابة ستكون عواقبه وخيمة على السلطة نفسها التي ما زالت تتصرف بعناد، وكأن الوضع ما زال طبيعياً ولم يصل بعد الى الحالة التي تستدعي من هذه السلطة تقديم بعض التنازلات لإنقاذ نفسها على أقل تقدير قبل إنقاذ الوطن الذي يترنح الآن تحت عناوين سوداء.

من الثابت حتى الآن ان الثورة التي أطلقها الشعب اللبناني لن تتراجع وليس بمقدور السلطة الحاكمة أن تجبرها على هذا التراجع تحت عناوين مختلفة أقلها الفتنة الطائفية التي يحاولون استخدامها بحرفية، وعلى هذه السلطة أن تعتبر من تجارب الشعوب الأخرى التي انتصرت على سلطاتها رغم القوة القاهرة التي استخدمتها تلك السلطة لقمع الثورة ولحرفها عن أهدافها الحقيقية في التغيير نحو الأصلح والأفضل.

كفى مكابرة وعناداً والتفافاً لاستغلال الوقت فالفرصة ما زالت متاحة أمام السلطة الحاكمة لإخراج البلاد من هذه الأزمة المستفحلة، تبدأ بالإسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين من أشخاص كفوئين ومستقلين وغير مرتهنين لها، تكون أولى أهدافها تحقيق المطالب ووضع حدّ جذري للفساد وسياسة تقاسم الحصص وتكديس أموال الشعب في جيوب الحاكمين.